دشّنت إيران، قبل أيام، بناء محطة نووية في مدينة بوشهر بمساعدة روسيا، ليكون ذلك التعاون هو الثاني بين البلدين، في هذا المجال، بعد تعامل سابق في بناء محطة بوشهر الأولى. وبعدما كان بناء المحطة الأولى قد واجه عراقيل كثيرة (من أبرزها العقوبات الدولية) أدت إلى تأخر العمل فيها، فقد فتح الاتفاق النووي المجال أمام إيران وروسيا لتوسيع التعاون في ما بينهما في مختلف المجالات، خصوصاً النووية والكهروذرية. وعلى هذا الأساس، وقّعت الدولتان عام 2014 اتفاقاً لبناء 8 مفاعلات نووية في البلاد، بدأ العمل حالياً على اثنين منها في مدينة بوشهر، بتكلفة تصل إلى ١٠ مليارات دولار، وبخطة عمل تستغرق عشر سنوات.
وقّعت إيران عام 2014 اتفاقاً مع روسيا لبناء 8 مفاعلات نووية
ويعدّ الاتفاق الثنائي خطوة إلى الأمام بالنسبة إلى إيران على المستويين التقني والاستراتيجي. ففي الوقت الذي تستفيد فيه طهران من الخبرة الروسية اللازمة في إدارة هذه المحطات، فهي تمهّد للعمل بشكل مستقل في بنائها، خصوصاً بعد العراقيل التي واجهتها منذ البدء في بناء محطة بوشهر، في عام 1975، بمساعدة شركة "سيمنز" الألمانية. فقد أخلّت هذه الشركة بعد الثورة الإسلامية بالعقد، ولم تكمل بناء المحطة، ليحل الروس مكانها في عام 1995. ولكن العقوبات والمعوّقات السياسية والتقنية أدت إلى توقف العمل في بناء المحطة في حينها، لتفتتح في عام 2011، بعدما كان من المقرّر إتمامها في عام 1999.
أما بالنسبة إلى المحطتين الجديدتين، فمن المتوقع أن تصل إنتاجيتهما إلى أكثر من ألفي ميغاوات، ما يوفر على إيران حوالى عشرين مليون برميل من النفط، ويرفع سهم الكهرباء النووية في إيران إلى ٦%، فضلاً عن عدم انبعاث نحو ١٤ مليون طن من الغازات السامة المسبّبة للاحتباس الحراري. وبحسب الاتفاق الموقّع مع روسيا، ستكون المحطتان اللتان ستُنفذان وفق أحدث معايير الأمن والسلامة، قادرتين على تحلية أكثر من ألفي متر مكعب من مياه البحر، فضلاً عن زيادة عمرها إلى نحو ٦٠ عاماً، وتحسين كفاءتها بنسبة تفوق ٨٠%، إضافة إلى التقليل من احتمال تسرّب المواد المشعة.
ويشكل سعر الطاقة الكهربائية المنتجة من الوقود النووي ٤٠% من أسعار النفط الحالية، وهو ما يعكس كلفة هذه الطاقة المنخفضة. وفي هذا السياق، يقول الخبير في الطاقة النووية والأستاذ في كلية الدراسات العالمية في جامعة طهران، حسين روي وران، إن "الهدف من بناء المفاعلين الجديدين هو إنتاج الطاقة الكهربائية في بوشهر، التي تعدّ بالأساس منطقة حارة نسبياً، خصوصاً في فصل الصيف". وبالنسبة إلى الاتفاق الحالي مع روسيا، يشير روي وران، في حديث إلى "الأخبار"، إلى أنه مختلف عن الاتفاق السابق، موضحاً أن "الاتفاق السابق كان يتضمن تزويد روسيا لإيران بالوقود النووي، لمدة عشر سنوات، أما الآن فإن إيران ستزوّد نفسها بهذا الوقود بوجود خبراء روس".
بدوره، أكد المحلل الاقتصادي وأستاذ العلاقات الدولية هاني حسن زاده أن "التعاون النووي القائم اليوم بين روسيا وإيران يأتي في سياق الاتفاقات المبرمة بين البلدين خلال العقدين الماضيين". ويضيف في حديث إلى "الأخبار" أن "هذين المفاعلين اللذين تمّ تدشينهما، في الأيام الماضية في بوشهر إلى جانب المحطة الأولى، يأتيان في سياق حاجة إيران إلى إنتاج أكثر من ٢٠ ألف ميغاوات من الكهرباء الذرية، في السنوات القليلة المقبلة". كذلك يؤكد أن "هذا التعاون يمنح الثقة للمجتمع الدولي، بناءً على أن إيران تتعاون مع أحد أقطابه، ومع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفق القوانين الدولية".
وفيما يلفت إلى أن إيران أعطت تطمينات للوكالة الدولية للطاقة الذرية في ما يتعلق بهذين المفاعلين، يشير إلى أنه "جرى تدشينهما بحسب آخر شروط سلامة البيئة والأمان ومستجدات الطاقة الذرية، خصوصاً أنه سيتم إنشاؤهما في مكان قريب من مدينة بوشهر المكتظة بالسكان".