باستعراض للقوة، حلقت قاذفتان أميركيتان من طراز «بي ــ بي1»، يوم أمس، فوق كوريا الجنوبية، في رد على التجرية النووية الخامسة لكوريا الشمالية والأقوى حتى الآن، أطلقتها بيونغ يانغ نهاية الأسبوع الماضي.وفيما تقول الولايات المتحدة إنها ستنشر منظومة للدفاع الصاروخي في كوريا الجنوبية «لحماية حلفائها»، من ضمن مجموعة إجراءات أخرى، لا يبدو أن ذلك سيوقف التصعيد النووي لبيونغ يانغ.
الطائرتان، اللتان أقلعتا من قاعدة «أندرسن» الجوية في جزيرة غوان في المحيط الهادئ، دخلتا المجال الجوي الكوري الجنوبي فوق قاعدة «أوسان» الجوية الأميركية في مدينة بيونغتايك، التي تبعد 64 كيلومتراً عن سيول، بمرافقة سرب من المقاتلات الأميركية والكورية الجنوبية.
وقال قائد القوات الأميركية في كوريا الجنوبية، الجنرال فنسنت بروكس، إن العرض «هو مجرد نموذج عن مجموعة واسعة من القدرات العسكرية لهذا التحالف المتين الذي يهدف إلى توفير الردع وتعزيزه». وأضاف بروكس: «التجربة النووية الكورية الشمالية تشكل تصعيداً خطراً وتهديداً غير مقبول»، مجدداً تأكيد «الالتزام الراسخ» للولايات المتحدة في الدفاع عن «حلفائها» في المنطقة.
وأكد بروكس أن الولايات المتحدة «ستتخذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك»، بما في ذلك عبر عمليات كتلك التي جرت أمس، وعبر «نشر بطارية ثاد (ترمينال هاي آلتيتيود إير ديفنس) في شبه الجزيرة الكورية»، في إشارة إلى «المنظومة الأميركية للدفاع الصاروخي» التي تعمل واشنطن على نصبها في كوريا الجنوبية.
وحذر الطرفان، الأميركي والكوري الجنوبي، دبلوماسياً، من تصعيد بيونغ يانغ، وقد قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الكورية الجنوبية، مون سانغ ــ غيون، للصحافيين، إن تحليق المقاتلتين «يهدف إلى توجيه تحذير واضح إلى كوريا الشمالية بشأن تجربتها النووية واحتواء استفزازات أخرى».
وشددت كل من واشنطن وسيول على أن العقوبات في مجلس الأمن الدولي هي «الحل الوحيد» إلى حين عودة كوريا الشمالية إلى طاولة المفاوضات «وتقديم التزام بالتخلي عن أسلحتها النووية».
وترافق ذلك مع إدانة كوريا الجنوبية والولايات المتحدة واليابان وروسيا والصين، التجربة التي جرت قرب موقع بيونغيي ــ ري، بقوة انفجار تعادل نحو 10 كيلوطن.
وفيما دعا مبعوث أميركي الصين إلى سدّ الثُّغَر التي تضعف العقوبات المفروضة على بيونع يانغ، شددت بكين على ضرورة أن تضبط جميع الأطراف نفسها لمنع زيادة التوتر في المنطقة.
وصرّح مبعوث الخارجية الأميركية الخاص للسياسة في كوريا الشمالية، سونغ كيم، بأن الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، أبدى عدم اكتراث بالتزامات بلاده. وأضاف كيم أن الصين، الحليف الوحيد لنظام الشمال وأكبر داعم له، عليها تنبيه الشمال إزاء «العواقب الخطيرة لأعماله المتهورة والمخالفة للقوانين».
وكانت الخارجية الصينية قد رأت سابقاً أن العقوبات فقط لا يمكنها حل قضية كوريا الشمالية النووية، وأن اتخاذ إجراء من جانب واحد لن يؤدي إلا إلى طريق مسدود. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية، هوا تشون ينغ، في إفادة صحافية يومية في بكين إن أساس الموضوع في أيدي الولايات المتحدة وليس الصين، مضيفة أن بلادها بذلت جهدها لإرساء السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية.
كذلك، إن التحذيرات الدبلوماسية والعسكرية لا يبدو أنها ستتمكن من إيقاف التصعيد النووي الكوري الشمالي. فبرغم سنوات من العقوبات، تستمر كوريا الشمالية في تطوير أسلحتها النووية، وكانت تجربة يوم الجمعة الماضي أكثرها قوة حتى الآن.
ووفق تقرير لشركة الاستخبارات الخاصة «سوفان»، نشر أمس، فإن كوريا الشمالية تتحول، بسرعة، إلى قوة نووية قادرة على تركيب قنبلة نووية مصغرة على صواريخ باليستية عابرة للقارات خلال أربع سنوات. وأكد التقرير أن التجربة الأخيرة كانت أقوى بمرتين من التجارب السابقة.
من جهة ثانية، كانت واشنطن قد قامت بتحركات مماثلة لتصعيد أمس، بعد تجارب نووية كورية شمالية سابقة. ففي كانون الثاني الماضي، حلقت طائرة حربية استراتيجية من طراز «بي ــ 52» فوق قاعدة «أوسان» الجوية بعد التجربة النووية الرابعة لكوريا الشمالية، كذلك ينتشر نحو 28 ألف جندي أميركي في عدد من القواعد في كوريا الجنوبية.
وكانت سيول قد أعلنت في تموز خططاً لنشر منظومة «ثاد» الأميركية للدفاع الصاروخي في مواجهة «التهديدات» النووية والبالستية المتزايدة لكوريا الشمالية. لكنّ كلاً من الصين وروسيا تعارضان بشدة قرار الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بنشر هذا النظام المتطور. وأبدت موسكو وبكين عزوفا عن دعم فرض المزيد من العقوبات على بيونغ يانغ.
وقالت صحيفة «الشعب» الرسمية الصينية، أمس، بعد اجتماع أمني روسي صيني رفيع المستوى في بكين إن الجانبين يريان «أن التجربة النووية لكوريا الشمالية لا تفيد السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية، وعلينا في الوقت الحالي العمل للحيلولة دون تصاعد الموقف في شبه الجزيرة وإعادة قضية نزع السلاح النووي لشبه الجزيرة إلى مسار الحوار والتشاور».
ويعارض أيضاً سكان منطقة سيونغجو الجنوبية مشروع نشر منظومة الدفاع الأميركية، حيث من المفترض أن تصبح تلك المنطقة مركزاً له.
كذلك تعترض أحزاب المعارضة الكورية الجنوبية على نشر هذه المنظومة، مؤكدة أنها يمكن أن تؤدي إلى تصعيد سباق التسلح في المنطقة وإلحاق الضرر بالعلاقات مع الصين. وتشكك هذه الأحزاب في جدوى نشر المنظومة في مواجهة التهديدات العسكرية الكورية الشمالية.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)