رفعت القوات المسلّحة الإيرانية جرعة إعلان إنجازاتها الدفاعية، في الوقت الذي يجري فيه الاحتفال بـ"أسبوع الحكومة" الذي يُعَدّ من الذكريات الصعبة في تاريخ "الثورة الإسلامية"، إحياءً لذكرى اغتيال رئيس الجمهورية المنتخب محمد على رجائي ورئيس الوزراء محمد رضا باهنر في الثلاثين من آب 1981، على أيدي مجموعات معارضة للثورة.المفارقة أن هذه المناسبة كانت قد تزامنت، قبل ثماني سنوات، مع تأسيس "مقر خاتم الأنبياء" للدفاع الجوي، تحت إشراف القائد الأعلى للقوات المسلّحة السيد علي خامنئي. وقد عملت هذه الوحدة على رفع مستوى الجاهزية العسكرية للدفاعات الجوية، عبر تطوير منظومات محلية الصنع وتطوير منظومة "اس ــ 200" للدفاع الجوي، وتصنيعها محلياً بالكامل، إضافة إلى تصنيع رادارات ونشر شبكة دفاع جوي على امتداد الأراضي الإيرانية، وصلت إلى أكثر من خمسة آلاف قاعدة رصد ومراقبة جوية.
وجّه سلاح الجو إنذاراً إلى طائرة استطلاع أميركية من دون طيار

ولتعزيز الدفاع الجوي، وقّعت إيران في عام 2007 عقد شراء منظومة "اس ــ 300" الروسية، إلا أن العمل بالاتفاق أوقف لاحقاً، ليُلقى على عاتق "مقر خاتم الأنبياء" العمل على تأمين الأجواء الإيرانية، خصوصاً بعد ارتفاع مستوى التهديد الأميركي والغربي لإيران بضربة عسكرية، في مقابل ازدياد أعداد أجهزة الطرد المركزي الذي تلاه إعلان منشأة فوردو النووية. حدث أوجد مهمة صعبة أمام هذه الوحدة "الفتيّة"، التي واجهت تهديداً حقيقياً وعمليات تجسّس جوية وخروقات للأجواء الإيرانية. فرغم إعلان هذه الوحدة للعديد من الإنجازات الدفاعية، إلا أن القوة الفاعلة لم تكن كافية لتغطية العجز في المدى البعيد، وهو ما يمكن أن توفّره منظومة "اس ــ 300" الروسية بنسختها المعدلة. من هنا، أتى القرار الإيراني السريع بنشرها في إحدى أهم النقاط الحيوية حساسية في البلاد، وأكثرها إثارة للجدل على مدى السنوات السابقة، وهي "منشأة فردو" لتخصيب اليورانيوم (جنوب طهران)، والتي شكلت إحدى أكبر العقد في المفاوضات النووية.
وتبقى قيمة هذه المنشأة معنوية، ذلك أن عدم إغلاقها خلافاً للمطالب الأميركية والإسرائيلية شكّل خرقاً إيرانياً، على الرغم من إيقاف العمل فيها. وعلاوة على أنها لا تزال جاهزة لاستقبال مئات أجهزة الطرد المركزي، إلا أن استخدامها لنشر "اس ــ 300" جاء ليبعث رسالة مفادها أن الاقتراب منها خط أحمر، وأن نشر المنظومة الصاروخية في محيطها، يعني أنها لم تُحذف من الحسابات النووية المستقبلية.
وفي هذا السياق، يدخل كلام المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، خلال لقائه الأخير مع قيادات الدفاع الجوي، فقد قال إن "الإدارة الأميركية ترفض حتى امتلاك إيران أسلحة دفاعية، وهذا دليل على نيات واشنطن العدائية تجاه طهران، لإبقائها في مرحلة ضعف عند أي صراع محتمل". ودعا على هذا الصعيد إلى تعزيز الاستراتيجية الدفاعية، التي قد تستلزم، يوماً ما، تحوّلها إلى استراتيجية الدفاع الهجومي.
وبالتزامن مع إعلان نشر "اس ــ 300"، يتعزّز التعاون العسكري بين طهران وموسكو على مستويات أخرى، أبرزها العلمي والتقني، الأمر الذي ظهر جلياً في إعلان المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي، أن رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي أبلغه بأن الرئيس حسن روحاني أقرّ الاعتماد المالي المخصص لبناء مفاعلين كهروذريين في منطقة بوشهر جنوب إيران بالتعاون مع الروس. وقال إن "وضع الحجر الأساس سيكون بعد أسابيع"، فاتحاً بذلك صفحة جديدة من التعاون الإيراني ــ الروسي.
إلى ذلك، برز حدث آخر خلال اليومين الماضيين، ألقى الضوء على أهمية المنظومة الرادارية الإيرانية، التي تُعَدّ القلب المحرّك لأي سلاح دفاع جوي، لكونها قادرة على كشف الأهداف المتخفية أو العادية. فقد تمكن سلاح الجو من اكتشاف طائرة استطلاع أميركية من دون طيار، وفي توجيه إنذار إليها بضرورة الابتعاد، بعدما اقتربت شرقاً من الحدود الإيرانية. وانطلقت الطائرة من قاعدة عسكرية أميركية في قندهار، وهي القاعدة ذاتها التي انطلقت منها الطائرة الأميركية النفاثة بدون طيار "ار ــ كيو 170"، التي استولى عليها الحرس الثوري بعد توغّلها شرقاً، قبل أعوام، وقام بإنزالها.