«دولة 30 يونيو» تفاقم الأزمة الطائفية

  • 0
  • ض
  • ض

تُنذر الأحداث الطائفية المستمرة في محافظة المنيا بما هو أخطر، في وقتٍ تعمد فيه الحكومة إلى سياسة «دفن الرأس في الرمال» والحديث عن «وأد الفتنة»، والإبقاء على حلول «الصلح العرفي» المخالفة للقوانين شبه المعطّلة في دولة «30 يونيو»

في الأسبوع الأخير، تعرضت عائلة رجل دين مصري في قرية طهنا الجبل، في محافظة المنيا في الصعيد، لاعتداء سبّب مقتل شخص وإصابة آخرين. وقبلها بيومين، هاجم عدد من الأشخاص في قرية نزلة أبو يعقوب عدداً من المواطنين على خلفية «شائعة» عن نيتهم تحويل منزل إلى كنيسة.

وفي 29 حزيران الماضي، أقدم أشخاص على حرق منزل في قرية تابعة لمركز سمالوط في المحافظة، على خلفية إنشاء كنيسة أيضاً.
وبينما يجنح الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي إلى الحديث عن «وأد الفتنة»، وأن ما يجري في المنيا يندرج في خانة «العنف المجتمعي» المنتشر في البلد لا في خانة «العنف الطائفي»، يصعب تجاهل ارتباط أحداث الأسابيع الأخيرة بحوادث سابقة، كان أبرزها حادث «سيدة المنيا». في ذلك اليوم، سحل أهالي منطقة أبو قرقاص سيدة قبطية سبعينية بعد تعريتها.
وكانت «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» قد وثقت 77 حالة توتر طائفي، وهو رقم لا يتضمن العنف والاعتداءات على الكنائس والمباني الدينية عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة في آب 2013.
العنف الطائفي في تاريخ مصر المعاصر يعود إلى عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، لكن معدلاته كانت منخفضة بالمقارنة معها في السنتين الأخيرتين. ففي بدايات «ثورة يناير»، شُبّه دور الأقباط المشاركين في المظاهرات بدور الإكليروس والنخب القبطية إبّان «ثورة 1919»، فسادت الشاشات مشاهد «الوحدة الوطنية»، حينما ظهرت في الإعلام صور عن تناوب الأقباط على حماية المتظاهرين المسلمين في مواعيد صلواتهم عبر إقامة دوائر تقيهم من قوات الأمن في الشارع.
يقول الباحث المتخصص في الشؤون الدينية، فؤاد حلبوني، إن تلك المشاهد كان هدفها «إظهار وحدة الصف بين المتظاهرين في الميدان أمام محاولات نظام مبارك تصوير التظاهرات كأنها مرتبطة بالإخوان المسلمين حصراً». لكن الاتكاء على الكليشيهات لم يُجدِ نفعاً كبيراً في هذا الإطار، فقد أطلت الأحداث الطائفية برأسها سريعاً بعد الثورة بقليل، أبرزها حرق كنيسة اطفيح في محافظة الجيزة.
يوضح حلبوني أن تلك الأحداث دفعت قطاعات واسعة من الشباب الأقباط المشاركين في «التحرير» إلى إنشاء حركات معنية بالشأن القبطي على وجه الخصوص، بعدما كانوا جزءاً من الحركات الثورية من دون التركيز على حركة معنية بقضايا الأقباط.


الرسائل الدينية للرئيس السيسي لم تتجاوز البروباغندا

لكن، برأي الباحث في «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، إسحاق إبراهيم، فإن هذا الارتفاع في منسوب العنف الطائفي في الأعوام الخمسة الأخيرة، يعود إلى أسباب عدة، منها: خروج قطاع كبير من الجماعات الإسلامية من السجون والمعتقلات ومحاولتهم استقطاب الشارع «المحافظ»، إلى جانب الفراغ الأمني بعد الثورة، خصوصاً في أثناء حكم «المجلس العسكري»، ما فتح المجال أمام أعمال البلطجة وفرض الإتاوات على الفئات الاجتماعية الضعيفة، ومنها الأقباط.
أما بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، فشهدت البلاد موجة كبيرة من استهداف الكنائس والمباني الدينية، حينما ارتفعت الأعمال الانتقامية التي نالت منها الأقباط، ولا سيما في المناطق ذات الغالبية المسيحية، نصيباً وافراً. يقول إبراهيم إن عام 2014 شهد تزايداً في دور المؤسسات الدينية وفي الحديث عن «الأخلاق العامة»، الذي يزيد الاحتقان المجتمعي ويحرّض بطريقة غير مباشرة أطرافاً ضد أخرى بحجة مخالفة البعض لهذه «الأخلاق». ويشير إلى أنه في خلال تلك المرحلة تزايدت أحداث العنف الطائفي، خاصة في المنيا.
في رأي إبراهيم، إن أسباب اتجاه هذا الملف نحو المزيد من التأزم، تعود إلى تعامل الدولة معه على أنه ملف أمني، تحلّ مشكلاته عبر الحلول العرفية القصيرة النظر. فعقب أي اعتداء طائفي، يصار إلى قبول «الصلح العرفي» الذي يساعد المتهمين على الإفلات من العقاب، سواء بإخلاء سبيلهم أو بالاستفادة من الصلح في تجنب توقيع عقوبة، رغم مخالفة هذا الأمر للقانون.
«أعتقد أن أجهزة الأمن لديها اعتقاد غير صحيح يقول إن من الأسهل أن تضغط على الضعيف، من أن تضغط لمعاقبة القوي، خوفاً من تمدد العنف الطائفي»، يضيف إبراهيم.
يعود حلبوني ليقول إنه في بداية الثورة كان المجال مفتوحاً أمام الأحزاب الناشئة والمراكز الحقوقية والحركات الثورية للعمل على إيجاد حلول بديلة للأحداث الطائفية بعيداً عن هيمنة الأجهزة الأمنية على تلك الأحداث خلال عهد مبارك، حينما درجت عادة تلك الأجهزة على ترؤس جلسات التصالح «العرفي» بعد كل حدث طائفي من دون تفعيل القانون. لكن رجوع الأمن للسيطرة على المشهد حال دون ذلك، وتوارت كل الفرص لإيجاد حلول أكثر جذرية للظواهر الطائفية التي «تستلزم تغييراً جوهرياً في الدولة المصرية وسياستها»، يقول الرجل.
المُستغرب في سلوك دولة «30 يونيو» إزاء هذا النوع من الأحداث أنها قدّمت نفسها بعد عزل مرسي على أنها نموذج «أكثر انفتاحاً»، وتبع ذلك دعوة السيسي الشهيرة إلى «تجديد الخطاب الديني»، لذا يرى حلبوني أن السيسي حاول في بداية حكمه توجيه رسائل للغرب فحواها أن دوره أساسياً في «الحرب على الإرهاب»، وأنه سيرعى حركة دينية إصلاحية هدفها العمل على طرح أسس لنموذج إسلام وسطي في مواجهة السلفية الجهادي، لكن «هذه الرسائل لم تتجاوز البروبغندا»، في رأي الباحث الذي أكد في حديثٍ سابق إلى «الأخبار»، أن الدولة المصرية كرّست عبر عقود قيماً محافظة، غذّت التزمت المنتشر في «المحروسة» اليوم. والسيسي «حريص أيضاً على إبراز صيغة المحافظة الدينية في حكمه، حتى لا يعطي تربة خصبة لمعارضته من طرف الإخوان والتيارات السلفية على أسس دينية».
في حديثٍ لقناة «بي بي سي» تعليقاً على أحداث المنيا قبل نحو شهر، ردّ المتحدث باسم بابا الأقباط، الأنبا مكاريوس، على سؤالٍ عن إمكانية «مساعدة الخارج» للأقباط على مواجهة العنف الطائفي، بالقول: «الغرب لم يحل لنا أي مشكلة. نحن أدرى بمشكلاتنا وبمجتمعاتنا». وإذا كان من المبكر التنبؤ بتفاقم الأحداث الطائفية في الصعيد أو بتوظيف ذلك سياسياً، فإن الأكيد أن السياسات الحكومية المتبعة في هذا الملف لا تبشّر بحل قريب، بل على العكس.
«لا يقدر نظام السيسي على إيجاد حلول جذرية للظواهر الطائفية، لأنه لا يمتلك الرؤية والإرادة السياسية لذلك. رؤيته شديدة القصور تجاه مهمات الدولة ومحاولاته لاستعادة هيبتها في ظنه»، يقول حلبوني، الذي يشدد على أنه فى غياب وجود رؤية ومشروع اجتماعي لنظام السيسي، ستظلّ الطائفية مشكلةً دائمة.

  • في غياب رؤية ومشروع اجتماعي للنظام ستظلّ الطائفية مشكلةً دائمة

    في غياب رؤية ومشروع اجتماعي للنظام ستظلّ الطائفية مشكلةً دائمة (أي بي أيه )

0 تعليق

التعليقات