اعترفت رئاسة الأركان التركية بأنّ جهاز المخابرات أبلغها عند الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم 15 تموز عن تحضيرات تجري لمحاولة انقلاب، وأنّ رئيس الأركان اتصل بالقطع العسكرية، وخاصة سلاح الجو، وأصدر إليها أوامر محددة بشأن التصدي للانقلاب. أثار هذا الاعتراف نقاشاً جديداً في الأوساط السياسية والإعلامية، حيث وضّح أنه لم يتم تنفيذ أوامر رئيس الأركان، الذي تم اعتقاله واعتقال قادة القوات المسلحة ليلة الانقلاب، من قبل مجموعة صغيرة من الانقلابيين. وعلى الرغم من علم القادة المسبق بالانقلاب، لم يتردّد قائدا القوات الجوية والبحرية في السفر إلى اسطنبول للمشاركة في عرس أحد الضباط، كذلك لم تتحرّك القطع العسكرية لمنع الانقلاب الذي قامت به نحو 10 طائرات و30 دبابة، في بلد فيه 700 ألف عسكري و200 طائرة حربية و2000 دبابة، وهو ما يزيد من الشكوك حول علم الرئيس رجب طيب أردوغان مسبقاً، بمحاولة الانقلاب. وقالت المعلومات إن رئيس المخابرات، حقان فيدان، لم يتصل بأردوغان ويحيطه علماً بالانقلاب، الذي استغله الأخير أحسن استغلال، للتخلص من جميع أنصار وأتباع الداعية فتح الله غولن، بمن فيهم المنسّقون العسكريّون الثلاثة المرافقون للرئيس، إذ اعتُقلوا فوراً بعد المعلومات التي تحدثت عن علاقتهم بمحاولة الانقلاب.
قررت الحكومة حجب العديد من مواقع الإنترنت
وأثار هذا الانقلاب مئات التساؤلات في الأوساط السياسية والعسكرية والإعلامية، لكنه أمر لا يمكن مناقشته في ظل سيطرة أردوغان على 95% من وسائل الإعلام. كذلك، قررت الحكومة حجب العديد من مواقع الإنترنت وألغت رخص عدد آخر من محطات التلفزيون والإذاعات، بحجة موالاتها لغولن، وسط توقعات بأن يعلن أردوغان اليوم ــ بعد اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي ــ تنفيذ سلسلة من الإجراءات، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومن بينها إعلان حالة الطوارئ أو الأحكام العرفية، بعد أن ناشد الشعب للبقاء في الشوارع حتى نهاية الأسبوع لمواجهة أية احتمالات. كذلك يُتوقّع أن يحيل رئيس الأركان وقادة القوات المسلحة على التقاعد ويستبدل بهم قادة جدداً موالين له. وهو قد فصل نحو 9 آلاف من عناصر الأمن من ذوي الرتب المختلفة، كذلك طُرد نحو 200 من مسؤولي المخابرات الوطنية ــ التي ستشهد بدورها، سلسلة من التصفيات في خلال الفترة المقبلة، والتي قد تشمل رئيس الجهاز فيدان ــ كذلك طُرد 15 ألف موظف في جهاز التعليم و1600 من عمداء الكليات الحكومية والخاصة
وتتحدث المعلومات عن أنّ أردوغان قد يحيل على التقاعد ــ في اجتماع مجلس الشورى العسكري الذي سينعقد في الثاني من الشهر المقبل ــ المئات من الضباط من رتب مختلفة ويرقي جنرالات جدداً موالين له لشغل المناصب الحساسة، إذ وصل عدد الجنرالات المعتقلين حتى الآن إلى 112 جنرالاً من أصل 356 جنرالاً في الجيش التركي. وبالتوازي، يستمر النقاش حول القانون الذي تخطط الحكومة لمناقشته، والذي يهدف إلى تسليح المواطنين من أجل «حماية الديموقراطية» ضد أي «محاولة انقلاب أو تمرد عسكري أو مدني أو عمل إرهابي». وشبّه إعلاميون هذه «التنظيمات الشعبية المسلحة»، التي ستضم أشخاصاً موالين لأردوغان، بـ«حراس القرى» الأكراد الذين يقاتلون إلى جانب قوات الأمن والجيش ضد عناصر «حزب العمال الكردستاني»، والذين يصل عددهم إلى قرابة 100 ألف، ويتقاضون مرتبات رسمية من الدولة.
ورأت أوساط إعلامية أنه في حال صدور القانون، سيجري توظيف ما يزيد على 500 ألف في عموم البلاد، ليكونوا سنداً لقوات الأمن والوحدات الخاصة، التي ستكون مهمّتها بعد الآن التصدي لأي تحرك شعبي معارض مهما كان حجمه ومضمونه، بعد إحكام السيطرة تماماً على أنصار غولن، ولم يبق في تركيا ما يُسمى المعارضة السياسية إلا «حزب الشعب الجمهوري»، الذي يبدو أن أنصاره سيفكّرون ألف مرة قبل النزول إلى الشارع، حالهم حال أنصار «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي بعد نجاح الحرب النفسية التي لعبها أردوغان في خلال الأيام القليلة الماضية، ومن ضمنها دعوة أنصاره إلى البقاء في الشوارع بتشجيع وتحريض من الأئمة والخطباء الذين يفتون كل يوم لمباركة ما يقوم به «الإسلامي» أردوغان، ضد «المرتد» غولن.