تتخوّف الصحف الأجنبية من ازدياد نفوذ وقوة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا ليل الجمعة/ السبت، ولا سيما أن للرئيس ماضياً مليئاً بالسياسات القمعية، التي طاولت كل الجهات المعارضة له.وفي مقال في صحيفة «ذا تيليغراف» البريطانية، كتب ديفيد بلير مقالاً بعنوان «كنت تعتقد أن إردوغان سيئ؟ الزعيم التركي سيصبح أسوأ»، رأى فيه أن هذا الأخير «سيزداد نفوذاً»، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة. ووصف بلير إردوغان بأنه كان «استبدادياً، سريع الغضب، عنيداً، ويسعى إلى الانتقام»، حتى قبل محاولة الانقلاب، ليضيف: الآن «بعدما حاولت مجموعة من الجنرالات الأتراك إطاحته، فصفاته السيئة ستتعزّز وتتضاعف». وأشار الصحافي البريطاني إلى أن «حليف أوروبا المجنون»، الذي «تغلّب» على الانقلاب، «قادر الآن على كل شيء تقريباً»، ولن يستطيع أحد بعد اليوم أن يسخر من «شكوكه» ولا أن يتهمه بـ«جنون العظمة»، إذ إن «المؤامرة» التي تحدّث عنها مراراً وتكراراً، أصبحت واقعاً ملموساً.
أما عن الخطوة الأولى التي سيتخذها إردوغان، فهي «الانتقام»، وفق بلير. وهو ما أكّده الرئيس التركي، في خطابه الأول، حين توعد خصومه بـ«دفع الثمن باهظاً» بعد «الخيانة». وفي هذا الإطار، يدخل الحديث عن إمكانية عودة عقوبة الإعدام و«تطهير البلاد من أعداء الدولة».
أما الخطوة الثانية، فتتمثل بـ«إلقاء اللوم»، إذ أشار الكاتب إلى أن إردوغان «قادر على اتهام أميركا وأوروبا بالوقوف وراء الانقلاب»، وبالتالي اتخاذ إجراءات قد تؤثر سلباً على علاقة تركيا بالولايات المتحدة والبلدان الأوروبية.
من جهته، كتب أندرو فينكل، وهو أحد مؤسسي P24 (مبادرة لدعم وسائل الإعلام التركية المستقلة)، أن تركيا «تشهد انقلاباً ليس من قبل الجيش، بل من إردوغان نفسه، الذي حاول على مدى السنوات الثلاث الماضية، السيطرة بشكل كامل على السلطة». وأشار في مقال في «ذا غارديان» البريطانية، إلى أن إردوغان «ضغط على وسائل الإعلام التركية وهاجم وسائل التواصل الاجتماعي»، موضحاً أن «أشخاصاً عيّنتهم الحكومة سيطروا على الصحف المعارضة». وفي السياق، استند فينكل إلى منظمة «فريدوم هاوس» التي أشارت إلى أن تركيا، التي كانت تعتبر «حرة جزئياً»، أصبحت «غير حرة على الإطلاق».
«نيويورك تايمز»: استجاب الآلاف نصرةً لحرية غيّر إردوغان معناها الحقيقي

صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية رأت، في افتتاحيتها، أن من «المثير للسخرية» استخدام إردوغان لتطبيق «فايس تايم» على هاتفه المحمول، ليدعو مناصريه للنزول إلى الشارع بعد محاولة الانقلاب، ولا سيما أنه كان من المعارضين لوسائل التواصل الاجتماعي. وقالت إنه بالرغم من أن الرئيس التركي «ليس صديقاً لحرية التعبير، وكان قد فرض سيطرته على وسائل الإعلام وقيّد حقوق الإنسان»، فقد استجاب الآلاف لندائه، «نصرةً لحرية غيّر إردوغان معناها الحقيقي». وأضافت الصحيفة: «ليس هناك شك في أن السيد إردوغان سيسعى إلى الانتقام وستصبح السيطرة الكاملة هاجسه»، مشيرة إلى أنه «سيستغل الانقلاب ليس فقط لمعاقبة الجنود المتمردين، بل لقمع جميع فصائل المعارضة في تركيا».
أما مارك بيريني، وهو باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط وتركيا، فاعتبر في مقال في صحيفة «بوليتيكو» الأميركية، أن «الضحية الأساسية لفشل الانقلاب هي الديموقراطية في تركيا»، إذ إن «إردوغان سيسعى بشكل أقوى إلى رئاسة ذات صلاحيات تنفيذية». ورأى بيريني أنه سيكون لمحاولة الانقلاب تداعيات كبيرة على الاقتصاد التركي، نظراً إلى التأثير السلبي على «السياحة والسفر عبر مطار اسطنبول».
أما على الصعيد المحلي، فوفق بيريني «ستبتعد تركيا أكثر فأكثر عن معايير الاتحاد الأوروبي»، إذا لم تتم محاكمة «الانقلابيين» بشكل لائق، وذلك في ظل «إمكانية إعادة عقوبة الإعدام».
وفي «فورين بوليسي»، انتقد مايكل روبين ــ وهو باحث في معهد «أميركان إنتربرايز» المحافظ ــ سياسات إردوغان القمعية خلال السنوات الماضية، وخصوصاً تلك المتعلقة بحقوق المرأة. وهاجم سيطرة الرئيس التركي على الإعلام وقمعه احتجاجات ساحة تقسيم في عام 2013، والعمليات العسكرية ضد الأكراد، وصولاً إلى دعمه «فصائل مسلحة متشددة» في سوريا، مثل «جبهة النصرة» و«داعش»، معتبراً أن الرئيس التركي هو الملام الأول على الانقلاب.
أما الصحافي والكاتب روجير كوهين، فكتب في مقال في «نيويورك تايمز» أنه لو نجح الانقلاب لوقعت «كارثة» في تركيا، ذلك أن إردوغان «لديه دعم هائل، وخصوصاً بين المحافظين المتدينين». وأضاف «ممّا لا شك فيه، أنه لو سيطر الجيش على السلطة، لوقعت مواجهات بينه وبين متمردين إسلاميين تشبه التمرد في سوريا».
ووفق كوهين، فإن «ضبط النفس غير موجود في قاموس إردوغان» الذي «بدل أن يوحد المجتمع التركي، سيلاحق جميع خصومه ويقمع الصحافة وغيرها من الحريات»، مشيراً إلى أن فشل الانقلاب «لا يعني أن الديموقراطية انتصرت، بل إن تركيا ستعاني من استبدادية إردوغان، من دون أن تستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها فعل شيء».
من جهته، رأى الأميركي ــ التركي سونر كاغابتاي، وهو مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد «واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، في مقال في «ذا واشنطن بوست»، أن تركيا «ستصبح أقل حرية وأقل ديموقراطية» بعد الانقلاب، معتبراً أنه في حال نجح الجيش بالسيطرة، أو بقي إردوغان «ستكون تركيا بلداً قمعياً في كلتا الحالتين». وأضاف كاغابتاي إن «معارضة إردوغان ديموقراطياً ستزداد صعوبة، بل قد تصبح مستحيلة»، محذراً من احتمال «انقسام» المجتمع التركي بشكل كبير و«ازدياد أعمال العنف».