عقب إعلان فوز خيار «الخروج» من الاتحاد الأوروبي في بريطانيا، انخفض سعر صرف الجنيه الاسترليني إلى أدنى مستوياته منذ عام 2009 (حوالى 8% أقل مقارنة بالدولار). كما شهدت أسواق الأسهم والسندات في العالم خسائر كبيرة، واعتبرها البعض بداية أزمة وركود. تأثرت المصارف البريطانية الكبرى على وجه الخصوص، إذ انخفضت أسعار الأسهم في باركليز، ولويدز، ورويال بانك أوف سكوتلند، بحوالى 15%. كما انخفض سهم رابطة «هاوس بيلدرز» 20%.ورغم الهلع الذي تسببت به هذه الأرقام، فإنها تزامنت مع تطمينات جاءت من قبل الحكومة البريطانية وبنك انكلترا، إضافةً إلى تصريحات أصحاب أعمال وشركات، هدفت إلى التأكيد على أنه رغم صعوبة المرحلة فإنهم غير متخوفين مبدئياً، في إشارة إلى أن ما حدث، وإن لم يكن محبذاً، فإنه كان في الحسبان.
على السوق المالية أن تتعود على عدم استقرار أوروبا

في البدء، يجب ألّا يُنظر إلى ردة فعل السوق على أنها بداية ركود، فهي طبيعية إذا ما نظرنا إلى النمط الذي اتخذته خلال الايام التي سبقت الاستفتاء. سجلت أسعار الأسهم وسعر صرف الجنيه الاسترليني ارتفاعات بسبب توجه جميع التوقعات نحو واقع أن الصوت الغالب سيكون لصالح «البقاء». ورأت مجموعة «أوكسفورد إكونومكس» أن ردّة فعل السوق حيال نتيجة الاستفتاء لا تتوافق مع درجة تأثير الخروج على بريطانيا (الذي قدّرته بانخفاض بضع نقاط من الناتج الإجمالي المحلي في اقتصاد لا يتعدى 3.5% من الناتج العالمي). واعتبرت المجموعة أن المستثمرين ينظرون إلى المسألة من منظور التهيؤ لأزمة مالية على مستوى الاتحاد الأوروبي.
في المقابل، سارع كلٌّ من الاتحاد الاحتياطي الفدرالي، والبنك الأوروبي، وبنك انكلترا إلى الطمأنة بأنهم على استعداد للتعامل مع المصارف المركزية لتأمين السيولة، في حين أكد بنك انكلترا أنهم سيفعلون كل ما يجب القيام به لإعادة استقرار الاقتصاد والأسواق، ما يتضمن خفض تكاليف الاقتراض الرسمية والأموال الإضافية التي يجري ضخها في الاقتصاد. كما أكد وزير المال البريطاني، جورج أوزبورن، على أن البنوك المركزية في دول «مجموعة السبع» اتخذت «التدابير اللازمة لتأمين السيولة ودعم الأسواق». وفي تصريح صدر عن وزراء المالية في «مجموعة السبع»، أكد الوزراء أنّ «الاقتصاد البريطاني والقطاع المصرفي قويّان، ونحن واثقون بأن السلطات البريطانية في موقع جيد للتعامل مع تبعات نتيجة الاستفتاء».
مارتن بيك، من «أوكسفورد إكونومكس»، اعتبر أن «من شأن الدفعة القوية في صافي الصادرات إثر رخص الاسترليني، والخفض المحتمل في السعر المصرفي، من قبل لجنة السياسة النقدية، تجنب الركود الاقتصادي». فيما أكدت، المديرة العامة لاتحاد الصناعة البريطانية، كارولين فايربيرن، أن قطاع الأعمال «سيفعل كل ما بوسعه لتجنب الركود»، مشيرةً إلى أنه «من الحتمي أن يتأثر الاستثمار إلى حد ما، ولكن تنخفض احتمالات ذلك مع إزالة الغموض» حول مستقبل العلاقة بين الاتحاد وبريطانيا.
هكذا كان الجو العام بين المصارف وأصحاب الأعمال ومراكز الابحاث الاقتصادية. هم أرادوا تجنب الركود وعدم السماح لهذا الحدث المفاجئ بإحداث أزمة عالمية أو ركود على المستوى الأوروبي.
أما من ناحية أوروبا، فاعتبر أحد كبار المحللين الاقتصاديين في وول ستريت، أنه على «السوق المالية أن تتعود على عدم استقرار أوروبا»، معتبراً أنه على صندوق النقد الدولي والبنوك الدولية الأخرى أن «يلعبوا دور الدفاع» ليهدّئوا من خوف الأسواق، ولكن ذلك لن يغيّر الحقيقة بأن الأسواق ستبقى في حالة قلق لفترة طويلة.
رغم اختيار البريطانيين الخروج من الاتحاد، يبقى شعار «بريطانيا أقوى من أوروبا» صحيحاً، إذ ان الاتحاد ليس في موقع القوي بالمفاوضات التي ستقام بينه وبين بريطانيا حول شروط الخروج. سيبقى الوضع على حاله لسنتين على الأقل، ولذلك جاءت تصريحات معظم الشركات وأصحاب الأعمال في إطار ذلك. فأكد الكثيرون منهم أنه رغم الخسائر التي سيتكبدونها في الفترة المقبلة إثر صدمة نتيجة الاستفتاء، فإنهم لا يتوقعون أن تستمر الخسائر في المستقبل. وأكد العديدون منهم أن استراتيجياتهم للعامين المقبلين لن تتغير. وإضافةً إلى ذلك، ليس الاستفتاء ملزما قانونياً، إذ يمكن إحالة الأمر إلى مجلس النواب، واذا تأزمت الأمور كثيراً يبقى هذا الخيار مفتوحاً. وحتى إن وعد كاميرون، أمس، بالالتزام بالقرار، فقد يضطر من يأتي بعده، إن كان داعماً للخروج أم لا، الى التراجع عن «الخروج».