تحديات كبيرة وملفات شائكة ومعقدة تتدارسها الحكومة الفرنسية عشية الاستفتاء البريطاني، وتزداد المخاوف من تداعيات كارثية تصل حد انفراط عقد الاتحاد برمته إن كان الخروج هو النتيجة التي ينتهي إليها هذا الاستفتاء. حينئذ سيصير الاتحاد الأوروبي على أعتاب مستقبل غير واضح المعالم، ما يجعله أكثر ضعفاً في مواجهة التهديدات على مستويات عدة، بعدما كانت فرنسا وألمانيا وبريطانيا، على مدى سنوات، أهم اللاعبين الذين بذلوا الجهود في أوروبا لتحقيق الأمن والاستقرار والوحدة.في ظل الأزمتين الاقتصادية والسياسية اللتين تعاني منهما فرنسا، باتت ألمانيا والمملكة المتحدة قوتين وحيدتين في الاتحاد الأوروبي، وخروج بريطانيا أو بقاؤها سيكون له تداعياته على فرنسا، الجار الأقرب إلى بريطانيا، مع الأخذ في الاعتبار أن فرنسا ترى نفسها ثاني الأحصنة الأوروبية بعد ألمانيا، وهما يقودان عربة الاتحاد. كل ذلك يزيد مسؤوليات الحكومة الفرنسية، ما فرض عليها تكثيف العمل على صياغة وضبط سيناريوهات متشابكة ومعقدة للتعامل مع النتيجة التي سيخرج بها الاستفتاء، وذلك في ظل واقع الاتحاد، بدأت تظهر في بنيته نقاط ضعف أكثر.
لكن الحكومة الفرنسية ترى في الاتحاد الأوروبي ضرورة حتمية لما بعد الحرب العالمية الثانية، وأن وجود بريطانيا داخل الاتحاد مهم وضروري لمستقبل أوروبا، وسيشكل خروجها منه صدمة ستؤثر حكماً في الرؤية الأوروبية لمستقبل القارة، بل قد تصل تداعيات هذا الخروج إلى ما يهدد وجود الاتحاد واستمراره. المخاوف، التي تلقي بظلالها على فرنسا، تنعكس في تصريحات مسؤوليها، وهي تصريحات أخذ بعضها شكل التهديد والتحذير، وتقدمتها أحياناً تصريحات الرئيس فرنسوا هولاند.
على سبيل المثال، صرح وزير الاقتصاد، إيمانويل ماكرون، بأن مخيم المهاجرين في بلدة كاليه الساحلية، شمال البلاد، قد ينتقل إلى جنوب إنكلترا، مشيراً إلى أن التصويت على «الخروج» سيجعل المملكة المتحدة دولة صغيرة على حدود أوروبا، كذلك سينتهي العمل باتفاق يسمح لها بإجراء مراقبة للحدود تمكنها من إبقاء المهاجرين غير المرغوب فيهم على الجانب الفرنسي من القنال الإنكليزية.
مطالب كاميرون «المتمادية» للبقاء هي سبب انزعاج فرنسيين كثر

يرجع بعض المحللين سبب هذا التعاطي السلبي لكثير من الفرنسيين تجاه بريطانيا، إلى المطالب «المتمادية» التي قدمها رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، إلى دول الاتحاد الأوروبي مقابل البقاء. وكان هولاند قد وضع حداً لآمال كاميرون بإعادة التفاوض على عضوية بريطانيا في الاتحاد قبل إجراء الاستفتاء، حينما قال إنه منفتح على تغيير المعاهدة الخاصة بعضوية الاتحاد في المستقبل، لضمان أن تكون منطقة اليورو «أفضل تنسيقاً وأفضل اندماجاً، لكن مراجعة المعاهدة ليست أولوية في الوقت الحالي».
وبمراجعة بسيطة للسياق التاريخي للموقف الفرنسي تجاه انضمام بريطانيا للاتحاد، نجد أنه كان متمايزاً منذ نشأة الاتحاد الأوروبي باتفاقية روما عام 1957، وعدم دعم بريطانيا لقيامه آنذاك، ثم رفض شارل ديغول انضمام بريطانيا إليه لمرتين متتاليتين حتى عام 1973، حينما كان الفرنسيون ينظرون بعين الريبة والقلق إلى العلاقة بين بريطانيا والولايات المتحدة، وكانوا يخشون من دور مؤثر للأميركي في الاتحاد عبر شريكه البريطاني.
فوق ذلك، كانت المناوشات كثيرة بين فرنسا وبريطانيا حول عدد من القضايا، مثل قضية الانضمام إلى السوق المشتركة، وحين مناقشة السياسة الزراعية، وأيضاً عندما طالبت مارغريت تاتشر بخفض مساهمة بلادها في ميزانية السوق الأوروبية المشتركة. أما في استطلاعات الرأي الأخيرة، فنجد أن الفرنسيين سجلوا أعلى نسبة بين الأوروبيين ترغب في خروج بريطانيا، وذلك بدعم من أحزاب فرنسية ترى أن لندن كانت دائماً تعوق تقدم الاتحاد، فيما رأت الأحزاب اليمينية المتطرفة في خروج بريطانيا من الاتحاد بداية لأوروبا الانتقائية، كما صرحت مارين لوبان، زعيمة حزب «الجبهة الوطنية». رغم كل ما سبق، بقيت نسبة الفرنسيين المؤيدين لاستمرار بريطانيا في الاتحاد هي الأعلى.