لم يكن خارج التوقعات غياب الاتفاق بين الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدّرة للبترول (أوبك)، خلال اجتماعها في فيينا أمس، في تحديد سقفٍ لإنتاجها، ما عزز الرأي القائل إن المنظمة فقدت نهائياً دورها الحاسم في التأثير في أسواق النفط، وهو الدور الذي كانت تؤديه قبل عقود. فعقب اجتماع المنظمة أمس، أعلن الأمين العام الحالي، عبد الله البدري، أن «أوبك» لم تتفق على تحديد سقف جديد للإنتاج، قائلاً: «من الصعب جدا الاتفاق على كمية الإنتاج. ولكن في الوقت نفسه، فإن الكمية التي ننتجها الآن معقولة بالنسبة للسوق التي تتقبل (هذه الكميات)».ورغم إخفاق الدول الأعضاء في التوصل إلى اتفاق، وصف وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح، الاجتماع بأنه «ممتاز». وكان الفالح قد صرّح، قبيل الاجتماع، بأن المنظمة «راضية جداً» عن حال سوق النفط، وبأن «الجميع راضون عن السوق التي بدأت في استعادة توازنها الآن. والطلب صحي وقوي تماماً، وإمدادات الدول غير الأعضاء في أوبك تنخفض، وستستجيب الأسعار لعودة التوازن إلى السوق»، مضيفاً أن من السابق لأوانه وضع أي سقف لإنتاج النفط، علماً بأن الدول الأعضاء في المنظمة تنتج حالياً نحو 32.5 مليون برميل يوميا، وذلك بعدما تخلّت، في اجتماعها الأخير في كانون الأول الماضي، عن وضع سقف لحجم إنتاجها، بعدما كانت تضع سقفاً بـ30 مليون برميل يوميا، كانت تتجاوزه دول المنظمة إلى نحو 32 مليونا.
ورداً على سؤال عن احتمال عودة منتجي النفط الصخري (في الولايات المتحدة خاصة) إلى رفع مستوى إنتاجهم، بعدما وصل سعر برميل النفط في مدة وجيزة إلى 50 دولارا لبرميل الخام، قال الفالح إنه ليس قلقاً من عودة النفط الصخري إلى التدفق (كما في العام الماضي) في ظل هذا السعر.
وكانت أسعار النفط قد هبطت بأكثر من 1% أمس، فيما تبيّن أن المنظمة لن تغيّر من سياسات الإنتاج للدول الأعضاء. وانخفض سعر مزيج «برنت» في العقود الآجلة بنحو 1.2%، ليبلغ 49.15 دولارا للبرميل، كما انخفض سعر خام غرب تكساس الوسيط في العقود الآجلة بنحو 1.3%، ليصل إلى 48.23 دولارا للبرميل.
الفالح أوضح، في تطور لافت، أن الدول التي كانت تدعو إلى تقييد الإنتاج باتت «متعاونة جداً»، في ظل تطورات السوق الأخيرة، وفقاً لما نقلت عنه «بلومبرغ»، التي نقلت أيضا عن مندوب فنزويلا، قوله إن الاجتماع الأخير كان «إيجابياً جداً»، مع أن كاراكاس كانت تطالب بإلحاح بتجميد مستوى الإنتاج.
عوامل ظرفية وراء الارتفاع الأخير لأسعار النفط

لكن وزير النفط الإيراني، بيجان زنقانة، قال أمس، إن «تحديد سقف مشترك لإنتاج دول الأوبك لا يعني شيئاً دون الاتفاق على حصص إنتاج لكل من الدول الأعضاء»، وهو ما استبعد تحقيقه في القريب العاجل، رغم إبداء ممثلي فنزويلا والجزائر والعراق استعداداً للالتزام بسقف معين على إنتاج كل منها.
وكان زنقانة قد صرّح أول من أمس، بأن زيادة صادرات إيران النفطية بمقدار الضعف عقب رفع العقوبات الدولية عنها لم يؤثر سلبيا في أسواق النفط العالمية.

الرياض مطمئنة

في المجمل، بدت الرياض مزهوة بما تعده «نجاح الاستراتيجية التي اعتمدتها أوبك عام 2014»، على حد تعبير الفالح أمس، الذي أضاف: «نرى العرض والطلب يلتقيان»، مطمئناً إلى أن السعودية «لن تصدم السوق بأي شكل كان بسياستها النفطية... نحن راضون بحركة الأسعار في الأشهر القليلة الماضية، وأعتقد أن الأسعار ستستمر بالصعود تدريجيا، دون الكثير من الإجراءات التدخلية، وعلى افتراض أن إنتاج أوبك سيبقى عن المستوى الحالي تقريباً».
وذهب الفالح إلى القول إن «أوبك قد لا تعود إلى أسلوبها السابق» في إدارة سوق النفط، عندما كانت تلجأ تقليدياً إلى خفض الإنتاج لدفع الأسعار إلى الارتفاع. فبرغم انهيار أسعار النفط إلى أقل من النصف، لتصل إلى 25 دولارا للبرميل في كانون الثاني الماضي، مقارنةً بأكثر من 100 دولار في 2014، اختارت «أوبك»، بقيادة السعودية، ألا تخفض الإنتاج.
ويقول خبراء إن المنظمة أبقت إنتاجها من النفط كما هو للضغط على منافسيها، وخاصة منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، والمحافظة على حصتها في السوق.
ويبدو لهؤلاء، كما للرياض، أن هذه السياسة بدأت تعطي ثمارها، بعدما ارتفعت أسعار النفط الأسبوع الماضي إلى ما فوق 50 دولارا للبرميل، وإن كان ذلك لمدة قصيرة، لتعود إلى الهبوط بعدها.

هشاشة «توازن السوق»

لكن، ثمة من يشير إلى هشاشة «التعافي» الأخير لأسعار خامات النفط. ويستند هؤلاء إلى «ظرفية» العوامل التي أدت إلى تراجع إنتاج النفط عالمياً في الآونة الأخيرة بنحو ثلاثة ملايين برميل يومياً، ما أدى إلى وضع السوق على حافة عجزٍ في المعروض، للمرة الأولى منذ أكثر من عامين.
أحد أهم عوامل هذا الانخفاض في المعروض، هو انخفاض إنتاج الولايات المتحدة من النفط بأكثر من 500 ألف برميل يومياً، نزولاً من ذروة إنتاجها قبل 13 شهراً، الذي بلغ 9.7 ملايين برميل يومياً، وفقاً لصحيفة «فاينانشال تايمز». يُضاف إلى ذلك انخفاض إنتاج نيجيريا بأكثر من 40% قياساً بذروته الأخيرة، ليصل إلى أقل من 1.4 مليون برميل يومياً، وذلك بسبب هجمات مسلحي «دلتا النيجر» على منشآت النفط وأنابيبه في تلك المنطقة الاستراتيجية، التي يتخوّف مراقبون أن يطول الاضطراب فيها.
أما العامل الأكثر ظرفية، فهو الحرائق في مقاطعة ألبيرتا في كندا، التي أدت إلى خفض إنتاج هذا البلد بنحو مليون برميل يومياً أو أكثر.
هذه العوامل، وغيرها، دفعت مصرف «غولدمان ساكس»، الذي كان من أكثر المصارف تشاؤماً حول أسعار السلع في السنتين الماضيتين، إلى رفع تقديراته للأسعار في النصف الثاني من هذا العام. ونقلت الصحيفة نفسها عن المصرف قوله إن إعادة التوازن قد بدأت أخيراً في سوق النفط، لكن فائض المعروض قد يعود ليدفع بأسعار خامات النفط نزولاً.
فإذا تجاوزنا مسألة ظرفية خفض الإنتاج في كندا ونيجيريا، يشير خبراء إلى إمكانية عودة منتجي النفط الصخري إلى رفع مستوى إنتاجهم عند تجاوز معدل أسعار النفط الخام 50 دولاراً للبرميل، وخاصة أن هؤلاء عملوا على خفض تكلفة إنتاجهم في السنتين الأخيرتين.
كذلك، هناك مخاوف من أن تعود صناديق التحوط، التي راحت تشتري سندات النفط بكثافة بعدما نزل سعره عن 30 دولاراً للبرميل في كانون الثاني الماضي، إلى البيع، ما قد يؤدي إلى موجة من البيوعات من شأنها أن تدفع بالأسعار نزولاً، لمرة أخرى.