لم تكن البلدان العربية تعدّ من بين الدول الأساسية المسؤولة عن ارتفاع مستوى الانبعاثات الحرارية في العالم، لكنها أصبحت من بين الأكثر تضرراً من تداعيات التغير المناخي الذي يتسبب بارتفاع درجات الحرارة وموجات الجفاف، وبانخفاض نسبة تساقط الأمطار وتراجع منسوب المياه العذبة، إضافة إلى انتشار ظاهرة التصحر وانخفاض خصوبة الأرض، الأمر الذي لا بد من أن تكون له تداعيات خطرة على الأمن الغذائي لسكان العالم العربي.استناداً إلى دراسة جديدة قام بها باحثون في معهد "ماكس بلانك" للكيمياء الفيزيائية الحيوية في ألمانيا ومعهد "سايبروس" في نيقوسيا، فإن درجات الحرارة في بعض مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستصل إلى مستويات تجعل حياة السكان فيها مستحيلة، ما سيؤدي إلى "تهجير جماعي" وارتفاع "كبير" في أعداد "لاجئي المناخ" في المستقبل. ووفقاً للدراسة التي قارنت المسارات البيانية للمناخ بين عامي 1986 و2005، فإن درجات الحرارة خلال فصل الصيف فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ترتفع أسرع بمرتين، مقارنة بمتوسط الاحترار العالمي، ومن المتوقع أن تصل درجات الحرارة إلى 46 درجة مئوية في هذه المنطقة، ما سيهدد وجود أكثر من 500 مليون شخص. كما أن عدد الأيام الشديدة الحر في هذه المنطقة تضاعف منذ سنة 1970، وهذا الرقم من المرجح أن يزداد خمس مرات.

الموارد المائية تتراجع
الأمم المتحدة: أغلب المناطق المعرضة للتصحر تقع في العالم العربي

في حديث إلى "الأخبار"، يشرح مدير الأبحاث في "معهد عصام فارس" في الجامعة الأميركية في بيروت، نديم فرج الله، أن "الشرق الأوسط يشهد نمواً اقتصادياً، وزيادة في عدد السكان، وتوسعاً بالمناطق المدنية، وتمدداً في ظاهرة التصحر، ما يضغط بشكل كبير على الموارد المائية المحدودة أصلاً في هذه المنطقة. لذلك، فإن أي تغيير سلبي في المناخ سيزيد من هذه الضغوط بشكل كبير". ويضيف فرج الله أنه وفقاً "للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا في الأمم المتحدة (الأسكوا)، فقد ارتفعت الانبعاثات الحرارية من المنطقة العربية بنسبة مئة في المئة بين عامي 1999 و2009".
ويشير الباحث خلال حديثه إلى "الأخبار" إلى أنّ "درجات الحرارة المرتفعة والانخفاض في هطول الأمطار وسرعة التبخر، ستؤدي إلى انخفاض في المياه العذبة المتاحة، وخاصة في دول مثل لبنان التي تعتمد على ذوبان الثلوج لإعادة ملء المياه الجوفية". وبينما يلفت إلى أنه "يمكن لبعض الدول في شبه الجزيرة العربية أن تشهد زيادة في هطول الأمطار نظراً إلى التحولات في الرياح الموسمية"، فإنه يستدرك قائلاً: "إن هذه الزيادة ستكون ضئيلة مقارنة بزيادة الطلب الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة".
ووفقاً لدراسة أجراها معهد الموارد العالمية (WRI)، ستواجه واحدة بين كل خمس دول في العالم نقصاً حاداً فى المياه الصالحة للشرب بحلول عام 2040، وأكثر البلاد عرضة لمشكلة نقص المياه في المستقبل القريب هي دول الشرق الأوسط.
وكان تقرير سابق لـ"البنك الدولي"، بعنوان "مواجهة الواقع المناخي الجديد"، قد أشار إلى أن المنطقة العربية، حيث تقع غالبية البلدان في منطقة جافة وشبه جافة، ستشهد تبخراً للموارد المائية الشحيحة، وخاصةً في نهري دجلة والفرات ونهر الأردن وبحيرة طبرية، وانتشاراً كبيراً لظاهرة الجفاف والقحط، ما سيكون له تداعيات كبيرة على الأمن الغذائي لسكان المنطقة.

... والزراعة يتهددها التصحر

بحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو"، بسبب استهلاك نسبة 80 في المئة من المياه في العالم العربي في الزراعة، فإنّ التغير المناخي سيتسبب بنقص كبير في إنتاج المواد الغذائية. وفي هذا الصدد، يوضح نديم فرج الله أن "الانخفاض في هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة يؤديان إلى انخفاض المياه المتاحة للمزارعين، وهذا من شأنه أن يزيد الطلب على المياه لري المحاصيل أو لتغذية الحيوانات. وعلاوة على ذلك، فإن تغير المناخ سيزيد من الظواهر المناخية الشديدة، مثل موجات الجفاف الطويلة والعواصف الشديدة والفيضانات... وكلها مدمرة للزراعة".
في سياق متصل، فإنّ تلك العوامل تتسبب بانتشار ظاهرة التصحر، التي تعرفها الأمم المتحدة بـ"تدهور الأرض في المناطق القاحلة وشبه القاحلة وفي المناطق الجافة وشبه الرطبة". وبحسب المنظمة الدولية، فإنّ 40 في المئة من مساحة اليابسة معرضة للتصحر، وأغلب المناطق المعرضة لذلك تقع في العالم العربي. وتشير التقارير إلى أن حوالى 357.500 كم2 من الأراضي الزراعية أو الصالحة للزراعة في عدد من الدول العربية أصبحت واقعة تحت تأثير التصحر.
جدير بالذكر أنّ هناك دائماً تفسيرات وفرضيات تربط بين شح المياه وتراجع المحاصيل الزراعية وبين صعود مستوى الصراعات (وقد قيل الكثير في هذا الشأن بخصوص سوريا). وعلى سبيل المثال، رأى أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة نيويورك، جون وتربري، في دراسة بعنوان "الاقتصاد السياسي للمناخ في المنطقة العربية" (نُشرت في عام 2013)، أن "موجات الجفاف السابقة لعام 2011 تسببت بتدمير الأراضي الزراعية في شرق سوريا التي ينتفع منها ما لا يقل عن 800 ألف شخص، وبتدهور الأحوال الاقتصادية، وبالتالي تسبب ذلك بنزوح سكان المناطق الريفية للبحث عن فرص عمل في المدن، وهو ما أسهم في تفجّر الصراع في سوريا".
وبينما يعتمد الكثيرون على تلك القراءات لتفسير أحد أوجه صراعات الشرق الأوسط، فإنّ صحافياً مثل، توماس فريدمان، تصل به الأمور إلى القول في مقدمة مقالة له في صحيفة "نيويورك تايمز" (آب 2015): "إليكم رهاني بخصوص مستقبل العلاقات السنية، الشيعية، العربية، التركية، الكردية، الإسرائيلية: إذا لم ينهوا صراعاتهم، فإن الطبيعة سوف تقوم بتدميرهم جميعاً، قبل أن يقوموا بتدمير بعضهم البعض".