إنّا وجدنا آباءنا على أمّة... فهل نحن مهتدون؟

  • 0
  • ض
  • ض

تونس | من سوء حظّ المدوّن والصحافي، محمد الشيخ ولد امخيطير، أنّه مولود في بلد عربيّ اسمه موريتانيا، ويزداد حظّه سوءاً عندما لا يفكّر في مغادرة هذا البلد نحو مكان أرحب في هذا العالم، وأسوأ ما في قدره من سوء أن لا يكون أمّياً بل وأن يقحم نفسه في مسائل وقضايا ما كان عليه أصلاً حشر أنفه فيها.

فما لنا نحن وحقوق الإنسان أصلاً؟ ولماذا نبحث عمّا نهانا عنه أولو الأمر منّا؟ وهل ما زلنا بلهاء حتى نصدّق أنّ مجتمعاً بدوياً رعويّاً يحتاج أصلاً إلى المساواة والديموقراطية والعدالة؟ وهل من بلاهة أكبر من الإقدام على محاولة تحريك مياه راكدة من صالح الجميع أن يدوم ركودها؟ لماذا نصفّي هذا الإرث الثقيل من التراتبية التي تقسم البشر حسب مراتبهم الاجتماعية الموروثة والمبنيّة على عدالة ما بعدها عدالة: ما هو بلدك؟ لونك؟ جهتك في داخل بلدك؟ درجة بياض بشرتك أو درجة اسمرارها مقارنة بالدرجة السائدة؟ دينك؟ وطائفتك في ذلك الدين؟ وعلاقتها بالطائفة السائدة؟ أليس من البلاهة أن تندفع وتطالب بما لم يطالب به آباؤك وأجدادك؟ ألم تعرف منذ صباك يا ابن امخيطير حدود التغيير الذي يطمح إليه أمثالك؟
أنت الآن في السجن تنتظر مصيرك بعد أن أكّدت محكمة الاستئناف في موريتانيا حكم الإعدام الصادر في حقّك. إمكانية نجاتك من تنفيذ الحكم متوافرة رغم سوء حظّك إلى حدّ الآن، لكنّ نجاتك من الإعدام لن تنجيك من وصمك وإلى الأبد بالمرتدّ والكافر والخارج على الدين، لا من الذين نصبوا أنفسهم كهّاناً في دين لا كهنوت فيه، بل وخاصّة من كهّان التخلّف والمحافظة على تقسيم المجتمع كما ورثوه عن آبائهم وأجداد أجدادهم حسب درجة اللون ومهنة العائلة، "لقد وجدوا آباءهم على أمّة وهم على آثارهم مهتدون"... لن تنجيك نجاتك من نفسك وهي تحاسبك: لماذا أعلنت توبتك عمّا لا توبة فيه؟ أيتوب عاشق الحرّية عن عشقه؟ أتخجل من النسيم إن تنفّسته؟ أتخجل من وردة لأنّك شممتها شمّاً رفيقاً رقيقاً فيه شوق والتذاذ، فتتوب لأنّ هناك من لا يرى حقّاً في ذاك الشميم إلا له ولفصيلته؟ لن تنجيك نجاتك من عتاب أشباهك في موريتانيا وفي بلدان كثيرة من هذا العالم العربيّ، أشباهك الذين يتوقون إلى حرّية وإلى مساواة وإلى عدالة تكون بمنزلة النسيم ورؤية الشمس لا احتكار فيها لأحد ولا لطبقة ولا لطائفة ولا للون أو جنس أو عرق أو دين. هؤلاء جميعاً يتمنّون لك النجاة والسلامة، لكنّهم اعتبروك أملاً من آمالهم، وخطوة من خطواتهم على الدرب، وقد خذلتهم بتوبتك، ولكنهم سينسون ويكون عتابهم لك خفيفاً قابلاً للنسيان السريع، إذ يعلمون تماماً كما تعلم أنّك لم تكفر حتى تتوب، وأنّك من صميم الدين نفسه صغت لحن حرّيتك، وأنّك عاشق والعشاق لا يتوبون.
يا محمد الشيخ بن امخيطير، أنت شابّ كان يمكن أن يكون لي ابن في سنّك أو ابنة، ومن أغلى أمنياتي الآن أن يكون السادة في المحكمة العليا في موريتانيا وأعين إلى حجم اللعنة التي ستحلّ ببلدهم إذا صدّقوا على إعدامك، لا أقصد لعنة من جهة محدّدة، فحكّام شعوبنا لا يهتمّون غالباً إن لعنتهم منظمات حقوق الإنسان أو حكومات دول الغرب، فهم لا يبالون حتى بلعنات شعوبهم، بل أقصد لعنة التاريخ، وتحديداً لعنة البقاء خارج التاريخ، لعنة الإصرار على الطبقية والعنصريّة وإشهار الدين سلاحاً في وجه كلّ من يتطلّع إلى السّكن في العصر، وعيش الحداثة لا الاكتفاء بمعاصرتها. أعضاء المحكمة العليا أولئك الذين يعرفون أكثر مني بل ومنك درجة ارتهان موريتانيا إلى هذا "الغرب الكافر الفاسق" الذي يستوردون منه أغلب ما يستهلك في البلد، إن لم يكن كلّه. "الغرب الفاسق الكافر" الذي لا نتذكّر كفره إلا إذا تعلّق الأمر بأوهام "الهويّة" وبما نعتبره "حقوقاً" في استعباد الناس لاعتبارات لا علاقة لها بالدين وما فيه من مساواة بين الناس، نستعبدهم فقط لأنّ آباءنا استعبدوا آباءهم. أعضاء المحكمة العليا، الذين أرجو أن يعرفوا أنّ الله تعالى لا يحتاج بشراً مهما كان هؤلاء البشر ليدافعوا عنه وعن عقيدته، وأنّ الرسول أرفع قيمة من أن يسيء إليه كاتب أو مدوّن أو حتّى أقوى قوّة عسكرية في العالم. وأرجو أنّهم يعرفون أيضاً أنّ شعوبنا، ومنها الشعب الموريتاني، تحتاج الطعام والشغل والتعليم والصحّة أكثر من قضيّة هوية تشغل الرأي العامّ... إلى حين.

0 تعليق

التعليقات