كثر الحديث مؤخراً عن التغير المناخي وما يمكن أن يترتب عليه من تغيرات خطيرة تهدد حياة الانسان، ليصبح موضوعاً لا يتناوله العلماء والباحثون فحسب وإنما يمتد أكثر فأكثر ليشمل السياسيين والاقتصاديين حول العالم. وبعدما وقّعت أكثر من 170 دولة في نيسان/ابريل الماضي على اتفاقية المناخ، سيعقد «البنك الدولي» أواخر الشهر الحالي ورشة عمل تمتد ليومين، تحت عنوان: «الحوار حول العمل من أجل المناخ»، وتضم مدراء تنفيذيين وقادة في قطاعات اقتصادية مختلفة وسياسيين ومصرفيين وأعضاء في المجتمع المدني ووسائل إعلام مختلفة لمناقشة تطوير الإجراءات التي يجب اتخاذها للاستجابة لتغير المناخ.وتأتي هذه الورشة بعدما كشفت العديد من الدراسات والتقارير الآثار الخطيرة لتغير المناخ، كان آخرها إعلان باحثين في جامعة «كوينزلاند» الأسترالية، في مطلع الأسبوع الماضي، عن اختفاء خمس جزر صغيرة في جزر سليمان (وهي دولة تقع في جنوب المحيط الهادي وتتألف من أكثر من 990 جزيرة)، وذلك بسبب ارتفاع منسوب مياه البحار نتيجة لتأثير تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض وذوبان الجبال الثلجية.
وبالإضافة للجزر الخمس المختفية، التي تتراوح مساحتها بين هكتار واحد و5 هكتارات، والتي كانت غير مأهولة وتضم نباتات استوائية لا يقل عمرها عن 300 عام، وجد الباحثون أن هناك ست جزر أخرى ذات مساحات واسعة من الأراضي زحف عليها البحر ودمر فيها قرى بأكملها، ما أجبر السكان على إخلاء منازلهم والانتقال إلى مناطق مجاورة مرتفعة. ومن ضمن تلك الجزر، جزيرة نواتومبا، التي تقطنها 25 عائلة، حيث غرق 11 منزلاً بالكامل ما دفع السكان المحليين إلى الفرار. وقال سيريلو سوتاروتي، وهو زعيم قبيلة محلية يبلغ من العمر 94 عاماً وقد فرّ مؤخراً من قريته، للباحثين: «إنّ البحر بدأ يأكل اليابسة. لقد أجبرنا على الهرب إلى قمة التلة وإعادة بناء قريتنا هناك بعيداً عن البحر».
وفي السياق، ذكر سيمون ألبرت، أحد العلماء المشاركين في الدراسة ومهندس مدني في جامعة «كوينزلاند»، في حديث لصحيفة «واشنطن بوست»، أن العائلات انتقلت إلى جزيرة تشويسيول القريبة، مشيراً إلى أن «ما كان يشكل في السابق مجتمعاً واحداً، انقسم راهناً بين خمس قرى صغيرة». وأضاف أن «هناك جزراً بركانية كبيرة حيث يمكن للناس أن ينتقلوا إليها، ولكن ذلك قد يؤدي إلى الكثير من التوتر بين الشعوب، وقد يكون مصدراً للصراع العرقي».
وفي السنوات العشرين الماضية، شهدت جزر سليمان ارتفاع مستوى سطح البحر بين حوالى 7 إلى 10 ملم في السنة، أي أكثر من ضعف المعدل العالمي البالغ 3 ملم سنوياً. ويؤكد العلماء أن ما يحدث الآن في جزر سليمان، التي تبعد نحو ألف كيلومتر شمال شرقي أستراليا، سيحدث في تجمعات ساحلية أخرى في النصف الثاني من القرن الحالي، وذلك نظراً الى سرعة عمليات تآكل اليابسة «نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر الناجم عن الأنشطة البشرية».
وتحذّر دول الجزر الصغيرة في المحيط الهادئ من تأثير تغير المناخ الذي قد يؤدي إلى «إجلاء جماعي» لشعوب بأكملها. فنحو ربع سكان جمهورية كيريباتي نزحوا أو تهجروا، وثمانية في المئة من سكان توفالو انتقلوا إلى مناطق مرتفعة نسبياً.
ونقلت صحيفة «ذا غارديان» البريطانية عن رئيس مجلس الكوارث الطبيعية في جزر سليمان، ملكيور ماتاكي، قوله إن الجزر بحاجة الى «دعم من شركاء التنمية ودعم الآليات المالية الدولية، مثل صندوق المناخ الأخضر». والجدير بالذكر أن جزر سليمان هي واحدة من الدول التي وقعت في نيسان/ابريل الماضي على اتفاقية المناخ في الأمم المتحدة والتي كان قد جرى التوصل إليها خلال مؤتمر باريس نهاية العام الماضي، وهي تستفيد بالتالي من الصندوق الاخضر للمناخ التابع لمنظمة الأمم المتحدة.
وتلزم اتفاقية المناخ، التي وصفها الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، سابقاً، بـ«اللحظة التاريخية»، موقعيها بالسعي إلى ضبط ارتفاع معدل حرارة الكرة الارضية بحدود «أقل بكثير من درجتين مئويتين» وإلى «مواصلة الجهود» للتأكّد «من عدم تجاوزه 1.5 درجة مئوية». لكن التوقيع ليس إلا الخطوة الأولى، إذ أن الاتفاقية لن تسري إلّا بعد مصادقة برلمانات 55 بلداً مسؤولة فعلياً عن 55% على الأقل من انبعاثات الغازات الدفيئة.
وخلال الأعوام المئة الماضية، ارتفعت درجة حرارة العالم بمقدار 0.75 درجة مئوية تقريباً، وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية تسارع معدل الاحترار العالمي أكثر من أي عقد منذ 1850. ووفق صحيفة «واشنطن بوست»، فإن الأشهر الأولى من عام 2016، سجلت أعلى درجات حرارة على الإطلاق منذ 136 عاماً، كما أن مساحات شاسعة من الغطاء الجليدي في «غرينلاند» ذابت إلى حد قال العلماء إنهم «لم يشهدوا له مثيلاً من قبل». وأضافت أن أبحاثاً جديدة رجحت أنه في حال استمرت المستويات العالية من الانبعاثات الحرارية من دون انحسار، فإن مستويات مياه البحار قد ترتفع لنحو الضعف تقريباً بحلول نهاية القرن الحالي.
ووفق «منظمة الصحة العالمية»، من المتوقع أن يؤدي تغير المناخ في الفترة ما بين عام 2030 و2050 إلى نحو 250 ألف حالة وفاة إضافية سنوياً، وستبلغ تكاليف الأضرار المباشرة على الصحة ما بين 2-4 مليارات سنوياً بحلول عام 2030. وتقول المنظمة إنه منذ ستينيات القرن الماضي، ازداد عدد الكوارث الطبيعية ذات الصلة بالأحوال الجوية أكثر من ثلاث مرات على الصعيد العالمي. وتتسبب هذه الكوارث في وفاة أكثر من 60 ألف شخص سنوياً، معظمهم في البلدان النامية. وأضافت المنظمة أن ارتفاع مستويات سطح البحر يدمّر المنازل، وسيؤثر على أكثر من نصف سكان العالم الذين يعيشون على مسافة لا تتجاوز 60 كيلومتراً من البحر.
كما أنه من المرجح أن التغيّر المتزايد في أنماط سقوط الأمطار سيؤثر في إمدادات المياه العذبة، وسيؤدي إلى انخفاض إنتاج المواد الغذائية الأساسية، وخاصةً في البلدان الأفريقية، بحلول عام 2020.




المنطقة العربية «الأكثر تضرراً»

تشير الدراسات إلى أن المنطقة العربية وشمال أفريقيا تعد الأكثر تضرراً من أزمة التغيرات المناخية، وقد تصبح ساخنة الى درجة تحولها إلى مناطق غير صالحة للسكن. ووفق تقرير نشره «البنك الدولي» بعنوان «اخفضوا الحرارة»، فبالرغم من أن انبعاثات الغازات الدفيئة بالمنطقة العربية لا تتجاوز 5% من انبعاثات الغازات في العالم، فإنها المتضرر الأكبر من هذه الظاهرة. ويضيف: «إذا تجاوز ارتفاع درجة حرارة الكوكب درجتين مئويتين، فهذا يعني ارتفاعاً هائلاً في درجات حرارة المنطقة العربية، وسيصاحبه شح المياه وانهيار الزراعة والتصحر، ناهيك عن غرق عدّة مدن عربية ساحلية».