بدأ حلف شمال الأطلسي أمس تشغيل مجمّع صاروخي في رومانيا، تابع لـ«الدرع الصاروخية» الأميركية. ورغم التطمينات اللفظية للحلف بأن «الدرع» موجهة ضد دول «مارقة» (أي إيران وكوريا الشمالية)، وبأنها لا تؤثر على قدرة الردع الاستراتيجي الروسي، فقد أكدت موسكو أن خطوات «الأطلسي» تمثل تهديداً مباشراً لأمنها القومي.دُشِّن المجمّع أمس في احتفال رسمي في قاعدة ديفيسيلو الجوية، بحضور عدد من المسؤولين الرومانيين والأميركيين، ومسؤولين في الحلف الأطلسي، أعلنوا دخول مجمع «آيجيس» الصاروخي حالة الاستعداد العملياتي. ويتولى «الأطلسي» رسمياً مسؤولية إدارة عناصر المنظومة الصاروخية في أوروبا، علماً بأنها تدخل في قوام «الدرع الصاروخية» التي تبنيها الولايات المتحدة.
ومن القاعدة الجوية الرومانية، قال الأمين العام لحلف الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، إن «الدفاع الصاروخي هو من أجل الدفاع... إنه لا يُقَوِّض الردع النووي الاستراتيجي الروسي، ولا يُضعفه»، مضيفاً أنه «بسبب مواقعها الجغرافية ومواصفاتها، تُعَدّ المنظومات التابعة لحلف الأطلسي عاجزة تماماً عن إسقاط الصواريخ الباليستية الروسية العابرة للقارات»، لا سيما أنها تضم «عدداً قليلاً جداً» من صواريخ الاعتراض، كذلك تنتشر هذه الصواريخ إما على مسافات قصيرة جداً من حدود روسيا، أو تبعد عنها جنوباً إلى درجة تجرّدها من القدرة على اعتراض الصواريخ الروسية، وفقاً للأمين العام لـ«الأطلسي».
موسكو: الأنشطة الهدّامة لواشنطن وحلفائها تهدّد الأمن والاستقرار

وفي الوقت نفسه، أكد ستولتنبرغ أن دخول مجمّع الدرع الصاروخية في رومانيا الخدمة يوسّع قدرة الحلف على التصدي للصواريخ المتوسطة أو القصيرة المدى، مشيداً بقرار بولندا تقديم موقع عسكري لنشر مجمع آخر من طراز «آيجيس»، سيدخل في قوام الدرع الصاروخية في عام 2018. ومن المقرر أن تنطلق أعمال البناء الخاصة بهذا المجمّع اليوم الجمعة.
وفي الحفل نفسه، قال مساعد وزير الدفاع الأميركي، روبرت وورك، وهو يقف أمام البناء الخرساني الرمادي الضخم الذي يضم المجمّع الصاروخي، والذي رُفع عليه علم الولايات المتحدة، «ما دامت إيران مستمرة في تطوير ونشر الصواريخ الباليستية، ستظل الولايات المتحدة تعمل مع حلفائها للدفاع عن حلف شمال الأطلسي». ورداً على سؤال عمّا إذا كان الموقع في رومانيا والموقع الآخر الذي يجري بناؤه في بولندا يمكن تحديثهما بتكنولوجيا تُمكّن من مواجهة الصواريخ الروسية، قال وورك إنه «لا توجد خطط على الإطلاق للقيام بذلك».
من جهته، أعلن أمس المتحدث باسم الرئيس الروسي، دميتري بيسكوف، أن موسكو تتخذ الإجراءات الدفاعية اللازمة لضمان أمنها القومي، إزاء التهديد الذي يمثله توسّع المنظومة الصاروخية الأميركية ـــ «الأطلسية». وقال بيسكوف، «منذ بداية هذه القصة كلها، كنا نؤكد أنه وفقاً لتقييم خبرائنا، يشكّل نشر منظومة الدرع الصاروخية تهديداً للاتحاد الروسي»، مذكّراً بأن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تساءل مراراً حول الجهة التي تستهدفها هذه المنظومة. وأعاد بيسكوف إلى الأذهان أن الأميركيين كانوا سابقاً يبررون قرار نشر الدرع الصاروخية بوجود خطر صاروخي مصدره إيران، لافتاً إلى أن تقييم «التهديد» الإيراني تغيّر جذرياً بعد «الاتفاق النووي» في تموز الماضي، من دون أن يتأثر مشروع نشر الدرع الصاروخية في أوروبا. وأضاف أن تدشين المجمّع الصاروخي في رومانيا لم يكن حدثاً مفاجئاً بالنسبة إلى موسكو، وأن المؤسسات الروسية المعنية بالأمن والدفاع مطلعة على كافة الخطط ذات الصلة.
«لا نزال نعتبر الأنشطة الهدامة للولايات المتحدة وحلفائها، في مجال الدفاع الصاروخي، تهديداً مباشرا للأمن والاستقرار الإقليميَّين والعالميَّين»، صرّحت أمس المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، مضيفة أن ذلك «يعقّد الوضع الاستراتيجي في أوروبا»، ويشكّل «خرقاً لمعاهدة إزالة الصواريخ المتوسطة والأقل مدى». وذكّرت زاخاروفا في هذا السياق بأن بلادها، ولسنوات عديدة، كانت تعرض التعاون الوثيق مع حلف الأطلسي، وصولاً إلى عرضها «إنشاء هيكلية أمنية مع الحلف»، بما يخدم «الحماية الحقيقية للمنطقة (روسيا وأوروبا) من التهديدات الخارجية». وختمت بالقول إن حكومتها «تستنبط الاستنتاجات ذات الصلة» من سلوك الحلف، «بما في ذلك اتخاذ خطوات جوابية من النوع العسكري ـــ التقني».
وبالفعل، كان قائد القوة الصاروخية الاستراتيجية الروسية، سيرغي كاراكاييف، قد أعلن الثلاثاء أن بلاده تطوّر جيلاً جديداً من الصواريخ البالستية العابرة للقارات، تتميز بقدرتها على اختراع «الدرع الصاروخية» الأميركية، مبرراً ذلك «بحقيقة أن الولايات المتحدة لا توقف مساعيها، وتستمر في تطوير أنظمة الدفاع الصاروخي، بما في ذلك نشر أجزاء منها في أوروبا».
وأوضح كاراكاييف أن تطوير قدرات الصواريخ الروسية الباليستية يكون عبر «تقليل مرحلة تسارعها، وتطوير رؤوس حربية جديدة تتخذ مساراً يصعب تنبّؤه... بما يجبر الطرف المقابل على تأمين دفاع كامل المحيط».
ولكن في الوقت نفسه، طمأن القائد الروسي إلى أن التهديد الصادر عن المنظومة الصاروخية الأميركية في أوروبا لا يقلل بشكل كبير من القدرات القتالية للقوة الصاروخية الاستراتيجية الروسية، وذلك لأن الصواريخ الروسية دائماً ما يجري تحديثها