تتوقّع مؤسّسة الاستثمارات العالميّة «BARCLAYs» أن تصبح الهند الرائدة في «سوق أصحاب الملايين»، بحيث سيصبح عدد الأشخاص الذين تفوق ثروتهم المليون دولار فيها، 400 ألف نسمة بحلول عام 2017. وهو واقع يعبّر عن النموّ الصاروخي الذي يشهده بلد آسيوي يشدّد ساسته على مقولة أنّ «الفقراء لن يدفعوا ثمن خلاعة الأغنياء»
حسن شقراني
«أصوات الدول النامية سُمعت باحترام» خلال قمّة مجموعة الدول العشرين الكبرى الأسبوع الماضي، يقول رئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينغ، حسبما تنقل عنه التقارير الإعلاميّة في مؤتمر صحافي في نيودلهي أمس. فالقمّة التي كانت مخصّصة لدراسة كيفيّة معالجة الخلل في النظام المالي العالمي، وانعكاسه على القطاعات الاقتصاديّة، أطلقت أيضاً الحوار في شأن منح الدول النامية نفوذاً دولياً أكبر في المؤسّسات الماليّة والاقتصاديّة.
والهند إلى جانب الصين وروسيا هي على رأس تلك الدول النامية، التي تطالب بصوت أكبر، وخصوصاً أنّ التطوّرات التي يشهدها العالم تنحو نحو جعله متعدّد القطبيّة. فمع اتضاح أنّ أيّ أزمة تنطلق في الولايات المتّحدة تكون ارتداداتها كونيّة، أي إنّ خليط «العولمة وتطوّر البلدان النامية» يحتم تعرّض تلك البلدان لمصائب مراكز العولمة، يظهر الارتباط الوثيق بين اقتصادات العالم أجمع، ويظهر أيضاً أن حركيّة تطوّر التشكيلات الكونيّة من ناحية توزّع النفوذ الاقتصاديّة ستشهد منحى نوعياً خلال الفترة المقبلة.
فبحسب تحليل «الأنماط العالميّة - 2025»، الذي أصدره أوّل من أمس، مجلس الاستخبارات الوطني الأميركي، فإنّ الأزمة الماليّة التي انطلقت في بورصة «وول ستريت» تعدّ بداية إعادة إنتاج التوازن العالمي والولايات المتّحدة ستشهد أفول نفوذها الاقتصادي خلال السنوات العشرين المقبلة التي ستكون «خطرة جداً»، لأنّها ستشهد عمليّة التحوّل إلى نظام جديد. وسيتحوّل وضع الدولار إلى «عملة قويّة بين عملات متساوية».
وفي المقابل، فإنّ الصين والهند، إضافة إلى هامش أضعف في ما يخص روسيا، ستنضمّان إلى جوقة الروّاد في ظلّ عالم متعدّد الأقطاب، وستطالب بكّين ونيو دلهي بنفوذ أكبر، وإن اضطرتا ستنافسان عليه.
وإذ يُعدّ هذا التحليل هو الأكثر تشاؤماً بالنسبة إلى مستقبل نفوذ الولايات المتّحدة خلال القرن الحالي، يمكن مقاربة توقّعاته مع الواقع الحالي. فحجّته تنطلق من أنّ الأزمة الماليّة هي التي ستطلق عمليّة الانحدار السريع. وبالفعل فعلى الرغم من الإجراءات الإنقاذيّة الحثيثة التي تقوم بها السلطات الأميركيّة لاحتواء التدهور في الأسواق الماليّة وإنقاذ المؤسّسات الماليّة والمصارف وحتّى الشركات المتعثّرة، لا يزال الأفق سوداويّاً في البلاد الرائدة للرأسماليّة.
وبالنسبة إلى المصارف التي تعدّ جوهرة الرأسماليّة المعولمة، يبرز انخفاض سعر سهم مصرف «Citigroup» الذي ينوي طرد 20 في المئة من قوّة عمله لخفض الأكلاف، بأكثر من 50 في المئة مقارنةً ببداية العام، كما خسر سهما مصرفي «Bank Of America» و«JPMorgan Chase» 30 في المئة من قيمتيهما خلال الفترة نفسها. وهذه التراجعات حدثت رغم التطمينات الكثيرة التي أطلقها وزير الخزانة هنري بولسون: «أعتقد أنّ أوضاع مؤسّساتنا الكبيرة استقرّت بالفعل». وحدثت مع تراجع مؤشّر «S&P500» بأكثر من 6 في المئة خلال جلستي تداول، وهو الأمر الذي لم يحدث منذ عام 1933، أي في قلب «الكساد العظيم».
هذه التراجعات التي تعدّ جزءاً من نمط يتطوّر منذ أيلول الماضي حين انهار المصرف الأميركي «Lehman Brothers»، تنعكس بالتأكيد تراجعات موازية في جميع أصقاع الأرض، ولكنّها في البلدان النامية كالهند، تعدّ كابحة للنموّ فقط على عكس ما يحدث من انكماشات في أوروبا والولايات المتّحدة.
والأزمة الماليّة التي تلقي «المجموعة النامية» المسؤوليّة عنها إلى «طمع الرأسماليّة»، يقول سينغ إنّ الفقراء ليسوا مضطرّين إلى تحمّل انعكاساتها، وبلد كالهند «سينجو من هذه الأزمة وسيخرج منها أقوى إذا كانت لدينا المخيّلة والإرادة للعمل معاً».
وأكثر من ذلك فإنّ البلدان النامية لا تطمح فقط للنجاة من الانعكاسات السلبيّة للعولمة، بل لتكون رائدة حتّى في «عالم الثروة». وبحسب تقرير «BARCLAYs»، من المتوقّع أن تحوي الهند ثامن أكبر سوق للثروات مع حلول عام 2017، حيث سيصبح عدد أصحاب الملايين فيها 411 ألف شخص، وذلك على الرغم من واقع مهمّ جداً: الأزمة الماليّة أدّت إلى خسارة البورصة الهنديّة أكثر من 50 في المئة من قيمتها منذ بداية العام الجاري. فخلال السنوات الثلاث الماضية نما ثالث أكبر اقتصاد في آسيا (بعد اليابان والصين) بنسبة تفوق الـ9 في المئة، وقد بدأت ثمار هذا النموّ تظهر الآن، وستظهر أكثر في المستقبل، والهند لا تمثّل سوى بلد واحد بين بلدان تسعى إلى حجز أماكن في ظلّ «التعدّديّة»، المربوطة بسوء إدارة أميركيّة، كما يقول تقرير المجلس الوطني الاستخباري الأميركي!.


رسالة أمل

يشدّد رئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينغ على أنّ حكومته توجّه «رسالة أمل وثقة» إلى قطاع الصناعة في البلاد، وتتعهّد باستخدام جميع الوسائل الماليّة والنقديّة وتلك المتعلّقة بزيادة الاستثمارات من أجل «مواجهة الأزمة» الماليّة. ويذكّر بالجهود التي قامت بها حكومة عام 1991، التي تسلّم فيها وزارة المال. فحينها كانت الاحتياطيّات الأجنبيّة لبلاده قليلة، لدرجة أنّها كانت ستغطّي أقلّ من شهر فقط من الصادرات. والآن تواجه البلاد أزمة جديدة، ولكن نسبة نموّ اقتصادها يتوقّع أن تكون، في أسوأ الأحوال 5.5 في المئة العام المقبل.