برازيليا | في تقرير مفصّل عن حياة نائب رئيسة البرازيل، ميشال تامر، نشرته مجلة «فيجا» البرازيلية، ختم الكاتب تقريره بالحديث عن حياة تامر الزوجية، واصفاً الأخير بالرجل المحظوظ. وبرغم اختصار الكاتب «حظّ» تامر بزواجه بـ«فاتنة» تصغره بـ 43 عاماً، فإن مسيرة الرجل كانت حافلة بـ«التوفيقات»؛ مضافاً إليها إتقانه فن التقلب السياسي، ما سمح له بالتقاط الفرص لتسلّق سلّم السياسة، حتى أوشك على الوصول إلى رأس السلطة.
يُحسب للرجل أنه كان «ليناً» في عقيدته السياسية، فتآلف مع عهد اليمين في الحكم منذ أن بدأ عمله السياسي، وانتُخب نائباً عن ولاية ساو باولو عام 1988. وبعد صعود نجم «حزب العمال»، بقيادة لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، انتقل تامر إلى حضن اليسار، برغم نفور دا سيلفا منه، وفرض الأخير على «الحركة الديموقراطية» (حزب تامر الذي كان شريكاً ائتلافياً في حكومات العماليين)، تسمية إنريكي ميريليس نائباً للرئيس، بدلاً من تامر. لكن الأخير ظل يتحيّن الفرصة التي أتته بانتهاء الولاية الثانية لدا سيلفا، حينما أجبرَ حزبه على تسميته نائباً للرئيسة العمالية الجديدة.
وُلد تامر في عائلة ثرية تملك مصنعاً للقهوة والأرز في إحدى ضواحي ساو باولو، التي انتقل إليها شاباً يافعاً لدراسة المحاماة، قبل أن يدخل الساحة السياسية بالاستناد إلى إرث والده الاقتصادي والاجتماعي.
يقول المثل البرازيلي الشهير: «قد يعفّ محتاج عن الرشى، لكن من المحال أن يتعفف سياسي». آثر تامر امتهان السياسة على الطريقة البرازيلية التقليدية، فانضم إلى لائحة المشبوهين في قضايا الفساد، وبات ملفه المعلّق (حتى الآن) واحدةً من أشهر حكايات «السطو السياسي» في التاريخ الحديث للبرازيل، فماذا في تفاصيل هذا الملف؟
من يملك مفاتيح محاكمته هو رئيس البرلمان المتورّط في الفساد

قبل أن يلمع اسم الرجل في السياسة، ذاع صيته بين عامي 1996 و1998 كواحد من أبرز المتهمين بتقديم الرشى، مقابل الحصول على تلزيمات حكومية، وذلك بعد اقتحام الشرطة الفدرالية مقر الشركة العقارية الشهيرة «كامارغو كوريا»، حيث عُثر على ملفات ووثائق تدين شخصيات سياسية عدة، أبرزها تامر.
العملية الأمنية، التي أُطلق عليها اسم «قلعة الرمل»، جاءت بعد أشهر من التحريات الدقيقة، وكادت أن تفكك أكبر منظومة فساد سياسي في البلاد. لكن نفوذ الطبقة الحاكمة وغياب المعارضة الجدية حالا دون استكمال التحقيقات، فحُفظ الملف في أدراج القضاة الذين آثروا تجنّب مواجهة «الكبار».
بحلول عام 2014، وبفعل الصلاحيات المطلقة التي منحها العماليون للشرطة الفدرالية، اقتحمت قوة أمنية خاصة مكاتب الشركة العقارية مجدداً، لتعثر على وثائق أخرى تثبت تورط تامر وعدد من قياديّي حزبه في رشى لتسهيل تلزيم الشركة مشروع رصف شوارع مدينة «أراساتوبا» في ولاية ساو باولو، وإنشاء الطريق السريع المزدوج في منطقة «برايا غراندي».
استكمال التحقيقات، التي أخذت وتيرة أكثر إثارة عام 2015، أدى إلى اكتشاف ما هو أخطر من رشى مقابل تلزيمات. ففي هذا العام، ذاعت أسماء السماسرة الذين كانوا يشكلون صلة الوصل بين الشركات والساسة، وكان أبرز هذه الأسماء جوليو غامارغو، المتعهد المسؤول في شركة «تويو سيتال»، الذي اعترف بعلاقته مع مسؤول جماعة الضغط داخل «الحركة الديموقراطية»، فرناندو بايانو. أما الأخير، فكان يجيّر حصة الحركة من الشركة النفطية الوطنية، «بترو براس»، إلى كل من رئيس مجلس الشيوخ، رينان كاليروس، ورئيس مجلس النواب، إدواردو كونيا، ونائب الرئيس، ميشال تامر.
في العام نفسه، ادعى النائب العام التمييزي، رودريغو جانوت، على عدد من قادة «الحركة الديموقراطية»، وخاصة تامر، الذي اتهم بتسلّم خمسة ملايين دولار من المقاول جوزي بينيارو، فيما حُكم على الأخير بالسجن 16 عاماً، بتهم الرشى والجريمة المنظمة.
لعل من السذاجة، الحديث عن طيّ ملفات تامر الذي خدمته اللحظة السياسية، بعدما انضم إلى عملية التحشيد التي باشرتها أطراف في الداخل والخارج، بهدف إقصاء العماليين عن السلطة. ربما يرى نائب الرئيسة ديلما روسيف أن انقلابه على حلفائه من خلف المعارضة يعطّل، في هذه المرحلة، أي تحرك قضائي ضده.
ومن «حسن حظّ تامر» أن من يملك مفاتيح محاكمته هو رئيس البرلمان (كونيا)، المتورط هو الآخر في عشرات قضايا الفساد. وفعلاً، حفظ كونيا ملف التصويت على إقصاء تامر في أدراج مكتبه، مقابل الحماية السياسية التي أمّنها له تامر وحلفاؤه.