في «يوم الأرض»، وقّعت 170 دولة، حضر ممثلوها إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك، اتفاق المناخ الذي جرى إقراره في باريس، كخطوة أولى لبدء تنفيذه بهدف خفض انبعاثات الغازات التي تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، في لحظة وصفها الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بأنها «لحظة تاريخية». ويعتمد تطبيق الاتفاق على أرض الواقع على الدول الكبرى، وخصوصاً الصين والولايات المتحدة، في وقت يشهد فيه العالم أكثر الأعوام حرارة منذ مئة عام تقريباً.

وكان أول الموقّعين على الاتفاق، الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، الذي استضافت بلاده قمة المناخ حيث تمّ اعتماد الاتفاق في 12 كانون الأول. ودعا هولاند، أمس، العالم، وخصوصاً الاتحاد الأوروبي، إلى تحويل اتفاق باريس حول المناخ «إلى أفعال» لمواجهة الوضع الملح الذي لا يزال قائماً. وأضاف أن «الأشهر الماضية كانت الأكثر سخونة في السنوات المئة الماضية»، متابعاً أنه «يجب التحرك بسرعة».
ولكي يصبح الاتفاق سارياً، يجب أن يحظى بموافقة 55 دولة على الأقل، تمثل 55 في المئة من الدول المسؤولة عن انبعاثات الاحتباس الحراري، والتي تحتاج بمعظمها إلى موافقة برلماناتها للتصديق الرسمي على الاتفاق. وتشير الأمم المتحدة إلى أن 15 دولة، بعض منها مجموعة من الجزر الصغيرة الواقعة تحت خطر ارتفاع منسوب البحر، أعلنت مسوغات موافقتها مباشرة، أمس.
واللافت في هذه الاتفاق أنه الأول بتاريخ الأمم المتحدة الذي يحضر توقيعه في أول يوم مفتوح للتوقيع هذا العدد الكبير من الدول، حيث كان العدد القياسي السابق للموافقة على اتفاق في اليوم الأول لحفل التوقيع عام 1982، عندما وقّعت 119 دولة على المعاهدة الدولية لقوانين البحار. وقالت مديرة فريق التوقيع على الاتفاق، سيلوين هارت، إن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، «أراد استغلال الحدث لحشد زخم بشأن التنفيذ ودخول اتفاق باريس موضع التنفيذ في أسرع وقت».
ومن بين أبرز الموقعين، الولايات المتحدة المُمثلة بوزير خارجيتها، جون كيري، والصين، المسؤولتان عن حوالى 40 في المئة من انبعاثات الغازات الدفيئة، تليهما الهند وروسيا. وبالنسبة إلى الصين، فهي من أكثر الدول التي تطلق انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، وقد أكدت، سابقاً، أنها ستسعى إلى خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون إلى الحدود المطلوبة بحلول عام 2030. ويرى العديد من الخبراء، وفق تقرير في «نيويورك تايمز» الأميركية، أنها تسير في الطريق الصحيح نحو ذلك. وقالت الصين إنها «ستوافق على الاتفاق» قبل قمة «مجموعة العشرين» التي ستستضيفها في أيلول المقبل.
كذلك، أكدت الولايات المتحدة أنها ستوافق على الاتفاق هذا العام، بالرغم من تجنب الرئيس باراك أوباما طلب موافقة الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون الرافضون للنص. وتنظر الولايات المتحدة إلى الاتفاق في إطاره الاقتصادي، حيث قال جون كيري إن «قوة هذا الاتفاق تكمن بما يمكن أن يفعله لإطلاق العنان للقطاع الخاص». من جانبه، قد ينتظر الاتحاد الأوروبي عاماً ونصف عام ليوافق على الاتفاق.
لكن، تقول الأمم المتحدة، إنه حتى في حالة التنفيذ الكامل للاتفاق، فإن الخفض المأمول لانبعاثات الاحتباس الحراري سيكون غير كاف للحد من الاحترار عند الحد الأقصى المتفق عليه. وتشير رئيسة «المناخ العالمي ومبادرة الطاقة للصندوق العالمي للحياة البرية»، سامانثا سميث، لـ«فرانس 24»، إلى أن «واقع أن دولاً عدة وقّعت على الاتفاق هو أمر تاريخي، لكن لا تزال الأبحاث تظهر أن عام 2016 هو من أكثر الأعوام حرارة».
وسجلت الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، التي تضمنت موجات من الجفاف والحر وارتفاع منسوب مياه البحار، مستويات قياسية من درجات الحرارة، إذ كانت أعلى مستويات من نوعها منذ بدء تسجيل حرارة العالم في القرن التاسع عشر. وخلال الشهر الماضي، أدى ارتفاع درجات حرارة المسطحات المائية إلى إحداث تلف بالغ في الحاجز المرجاني العظيم في أوستراليا مع ذوبان القمم الجليدية في القطب الشمالي، بتغيير اعتبر «مفاجئاً حتى بالنسبة إلى العلماء المخضرمين في مجال المناخ»، وفق الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، بتري تالاس.
يشار إلى أن «اتفاق باريس» يلزم موقعيه السعي إلى ضبط ارتفاع معدل حرارة الكرة الأرضية بحدود أقل بكثير من درجتين مئويتين، وإلى مواصلة الجهود لئلا يتجاوز 1.5 درجة. غير أن هذا الهدف الطموح يتطلب إرادة راسخة ومئات المليارات من الدولارات من أجل الانتقال إلى موارد طاقة نظيفة. وحض الممثل الأميركي والناشط البيئي، ليوناردو ديكابريو، الذي حضر أيضاً إلى الأمم المتحدة، أمس، قادة العالم على التحرك بسرعة، قائلاً إن «العالم يراقب الآن».
وطالبت مجموعة من زعماء العالم والبنوك الدولية، أمس، مزيداً من الدول بأن تبدأ في مشروعات لتسعير الانبعاثات الكربونية، الهادفة إلى دعم جهود كبح الانبعاثات الغازية في العالم. وكان رئيس الوزراء الكندي، جاستين ترودو، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، من بين الزعماء الذين طالبوا باتخاذ إجراءات سريعة للتسعير إلى جانب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قبل حفل التوقيع، أمس.

(الأخبار، أ ف ب، رويترز)