ماذا لو مُنحنا الفرصة لمحاكمة رجل ظالم! ما الذي ستفرزه مكنوناتنا الداخلية تجاهه؟ كيف سنعاقبه؟ وأي مسار ستسلكه المحاكمة؟ يشكل العرض المسرحي التفاعلي «محكمة الشعب»، (إخراج نانسي صوايا ــ بدعم من «زقاق»)، فرصة للمتفرجين، بخوض تجربة تفاعلية، تتيح لهم محاكمة رجل ظالم. فيقوم العرض، بإشراكهم، في قلب مسار الأحداث، وتحديد مصيره، من خلال تصويت مباشر، ومحاكمة الشخص، بطريقة، تتمّ تبعاً لرأي الغالبية. تقول نانسي صوايا لنا إنّ الهدف الأساسي هو إعطاء الجمهور، حقّاً، حرمته إياه، «السلطة الفاسدة والأنظمة المتخلّفة، الحاكمة». يتناول الموضوع الأساسي، المحاسبة الشرعية، ضد الظالم، أياً كان دوره في المجتمع، أكان أباً لعائلة، أو شخصاً ذا نفوذ كبير، أو شخصاً عادياً يعيش على الهامش للوصول إلى مجتمع حر، وعادل، يوماً ما. كما يأتي اختيار شكل عرض جريء وقاس، تحديداً في محاسبة الرجل، ليكون فعلاً مقصوداً، لحث الجمهور في موضوع المحاسبة العادلة، لأن «قراره يؤثر مباشرة على حياته. وإن كان ظالماً، هل سيحكمون عليه بالموت، أم يعطونه فرصة ثانية لمحاولة تصحيح أخطائه؟ لتكون تجربة التصويت المؤثر على الأحداث، أداةً للانتقال الديموقراطي».
ولأن العرض يندرج تحت الإطار التفاعلي، فهو يعتمد على شخصيات غير محدّدة ضمن الأطر السيكولوجية، والفيسيولوجية، والسوسيولوجية، كتلك الموجودة في الشخصيات المركبة. فالـ «مُحاكَم» هو رجل كان في موقع سلطة ما. كذلك، «القاضي والمحاور»، أشبه بصلة وصل بين الشعب ورجل السلطة، بالإضافة إلى شخصية «المعذب» التي تأخذ أوامرها بشكل مباشر من الجمهور، أي من الشعب، بزيادة وتيرة ومستوى التعذيب، أو خفضه. أمّا الشخصية الرابعة، وهي «الراقص»، فهي شخصية رمزية، تجسّد روح المُحاكَم وأفكاره اللاواعية. تدخل شخصية الراقص إلى المسرح، لفترة بسيطة، وتقوم بأداء رقصة تعبيريّة، أقرب إلى السوريالية. عندما يشاهد المتلقي العمل، سيتفاعل معه بشكل أكبر، لأنه المشارك الأساسي، وصانع القرار فيه. لكنه، في الوقت نفسه، قد يقع أسيراً، لبعض الأفكار التي ستجعله يسأل نفسه: هل أنا قادر على صنع قرار ما؟ هل أستطيع تحمّل مسؤولية قراراتي؟ هل أنا مذنب أم مظلوم؟ يمكن القول إنّ المشروع هو ممارسة افتراضية لما يجب أن يحدث في الواقع. إذ، يجب على الشعب أن يحاسب ويراقب، مع أهمية أن يكون على وعي تام بصوابية قراراته، لأنه ستنتج عنه مضاعفات تطال المستويات الحياتية جميعها. لا يركّز العمل فقط على موضوع المحاكَمة، بل يحاول تمرير مواضيع فرعية تتناول قضايا اجتماعية، كحفظ الإرث. والهدف من هذا، هو إثبات أن القانون هو جوهر العدل، ويجب أن يطبق على الجميع. ولا أحد يجب أن يكون فوقه.
تجربة تفاعلية من توقيع نانسي صوايا


يعرض «محكمة الشعب» غداً في قاعة «مركز اتحاد بلديات بعلبك» تحت أطر تعزيز اللامركزية الثقافية، وحق وصول الأعمال المسرحية الفنية البديلة، إلى الهوامش والأطراف. وسيشكل على الأرجح، فرصة قيّمة، ومغايرة، لم يألفها الجمهور، في هذه المناطق، تحديداً، أو حتى في بيروت. وعليه، تذكر صوايا، أن إنتاج المشروع أتى في سياق زيادة الدعم الفني والوعي الثقافي في منطقة بعلبك من جهة، بالإضافة إلى خلق مساحات وفضاءات للتفكير الحرّ، الذي «بتنا نفتقده نتيجة دخولنا في دوامة البديهيات الناتجة عن الأزمات الكارثية، والصدمات النفسية المتلاحقة، من جهة أخرى». وأخيراً، يقدم المشروع فرصة لـ 60 شخصاً لخوض هذه التجربة، و50 آخرين لمشاهدة هذه التجربة ومراقبتها في الوقت نفسه.

* «محكمة الشعب»: س:18:30 مساء غد الجمعة ـــ قاعة «مركز اتحاد بلديات بعلبك» كما سيعرض أيضاً في «مسرح زقاق» (الكرنتينا ـ بيروت) في 4 كانون الأول (ديسمبر) ـ للاستعلام: 76/591306