لا يجد قاسم اسطنبولي فارقاً كبيراً بين ثورة تحدث في الداخل وواحدة في الخارج. عندما نقول الداخل، فإنّنا نقصد المسرح بالنسبة إلى الممثل والمخرج الذي يعتبر أن انتفاضته بدأت قبل سنوات، تحديداً حين افتتح «مسرح الحمرا» في مدينة صور سنة 2014، معيداً إلى المدينة مسرحاً غاب عنها لعقود. سريعاً مدّ لفضائه الثقافي طريقاً إلى الخارج. الكرنفالات التي كان يجوب بها شوارع صور، قبل بدء مهرجانات «مسرح الحمرا»، و«المسرح الوطني اللبناني في صور» الذي يديره حالياً بعدما أجبر على إغلاق الحمرا. الحفاظ على المسرح كان نضالاً يومياً، بإمكانيات فردية، وموارد بشرية تقوم على التطوّع، أمام تخلّي السلطات المحليّة عن دورها. هل حقّق «نضاله» نتيجة؟ لا يقيس اسطنبولي نجاح التجربة بالدعم وحده أو بتعاون السلطات وحزبَي المنطقة. ما دام المسرح مستمرّاً، فهذا وحده نتيجة مرضية. يكفيه أن الجمهور يزداد يومياً، وورش العمل المسرحية والراقصة والفنية لا تزال مستمرّة. في السابق، تظاهر طلاب مسرحه في شوارع صور، وأمام وزارة التربية للمطالبة بإدراج مادّة المسرح في المناهج الدراسيّة. واليوم، في الوقت الذي لا تزال فيه الانتفاضة مستمرّة في صور، رغم التضييق المستمر على المتظاهرين من قِبل الأحزاب، يستقبل المسرح مساء اليوم الدورة الثانية من «مهرجان لبنان المسرحي الدولي» تحت عنوان «الفنّ من أجل التغيير».عصر اليوم، يفتتح المهرجان مع فرق موسيقية في الشارع، فيما يستكمل البرنامج فعالياته مع 11 عرضاً مسرحياً من العراق، والمغرب، وتونس، وليتوانيا، ولبنان، بالإضافة إلى قسم لأفلام قصيرة محلية وعالمية بالتعاون مع «مهرجان كرامة السينمائي» في الأردن (راجع الكادر)، وأمسيات موسيقية (راجع مقال الزميل بشير صفير). لا ينفصل عنوان «الفنّ من أجل التغيير» عن الأوضاع المحليّة والعربيّة المحيطة. يفتح المهرجان أبوابه لعروض تتناول مواضيع سياسية واجتماعية بمعظمها، فيما تراوح بين الرقص المعاصر، والمسرح الارتجالي، وعروض الشارع، والستاند آب كوميدي. بعد الافتتاح عند الرابعة من عصر اليوم، ينطلق برنامج العروض المسرحية مع الراقصة والمصمّمة الفلسطينية الأميركية ليلى عوض الله التي ستقدّم «عمود فقري». الراقصة التي شاركت في الدورة الأولى من «مهرجان لبنان الدولي للرقص المعاصر» في المسرح، انضمّت أخيراً كمدرّبة للرقص في ورش عمل «جمعية تيرو». الرقص بالنسبة إليها حركة احتجاجية. لا تغيب الأرض الفلسطينية المسلوبة عن عروضها. ترقص للبحث عن جذور للرقص العربي المعاصر، متتبعة قصص الشتات العربي والحكايات الفلسطينية. في الليلة نفسها، تنتقل العروض من الرقص إلى المسرح الارتجالي مع فرقة «لبن» التي تؤدّي عرضاً سياسياً ارتجالياً. الفرقة الشابة التي تأسّست عام 2009، ورأيناها في عروض في فضاءات مختلفة من بيروت، تنطلق في العادة من فكرة معيّنة، لكنّها هذه المرّة مستوحاة من الانتفاضة اللبنانية، قبل أن تواصل التمثيل ارتجالياً. خلال المهرجان، ستقدّم الفرقة عرضاً آخر لمدّة 40 دقيقة (8/12)، تحت نمط مسرح إعادة التمثيل التفاعلي مع الجمهور. من المغرب تشارك فرقة «شوارع آرت» (8/12) التي تؤدّي عروضها في الشارع سعياً للتقرّب من أبناء الأحياء المهمّشة. على الميناء في صور، ستقدّم الفرقة عرضها الجديد الذي يدمج الموسيقى والمسرح التفاعلي حول موضوع الحريّات في المغرب، والمستلهم من أجواء كرة القدم والملاعب التي باتت فسحة للتعبير السياسي في ظلّ الرقابة. الانتفاضة العراقية لديها مساحة في المهرجان مع عرض «كمامات فيلتر» (8/12) لمصطفى الهلالي و«شكسبير في البرلمان» (9/12) لمقداد المقدادي. قبل عرضها في صور، قدّم مصطفى الهلالي مونودراما «كمامات فيلتر» (كتابة علي نجاح، وإخراج وأداء مصطفى الهلالي) في ساحات الاعتصام في العراق، أمام المتظاهرين. يضع الممثّل كمّامة على وجهه فيما يطلق مونولوغه حول ظروف التظاهر القاسية في بغداد، الدخان والرصاص والموت المجّاني.
تحية إلى الانتفاضة العراقية في مسرحيتي «كمامات فيلتر» لمصطفى الهلالي و«شكسبير في البرلمان» لمقداد المقدادي

هناك تجربة مختلفة من العراق أيضاً وهي و«شكسبير في البرلمان» لفرقة «مسرح الشواك للثقافة والفنون» (كتابة جاسم رسن، وإخراج: مقداد المقدادي) التي تستعين بنصوص لشكسبير، وتعيد توليفها نزولاً عند الواقع السياسي في العراق. هناك موعد مع الكوميديا السوداء في عرض «للرجال بركة» (19/12) للمخرج التونسي توفيق العايب. نجوى ميلاد تقدّم العرض منفردة على المسرح، حول قصة (كتابة نور الدين الهمامي) ممثّلة مسرحية تعود إلى ذكرياتها العاطفية بعيد زواج ابنها الوحيد. من خلال هذه السيرة والذكريات الفردية، تدخل المسرحية إلى قضايا اجتماعية في تونس والعالم العربي. من ليتوانيا، تقدّم ميلدا سوكوليفيت مسرحيّتها «اللا أمان» (9/12)، وللمرة الأولى يؤدّي اللبناني دانيال بلابان (9/12) عرضاً موسيقياً مسرحياً يمزج فيه بين الموسيقى الهندية الحية على المسرح والستاند آب كوميدي. يختتم المهرجان مع عرض «شي تك تك» لطلاب فرقة «تيرو للفنون» (10/12) حول ممثلين يفشلون في أداء عرضهم المسرحي، يليها عرض مسرحي لفرقة «الجسر الأحمر» التي تأسّست في عام 2016. تعتمد الفرقة مسرح إعادة التمثيل الذي يدعو الجمهور إلى المشاركة في العرض من خلال سرد قصصهم الشخصية، قبل أن يحوّلها فريق من الممثلين والموسيقيين إلى مشاهد ارتجالية تتبع خط القصة الأصلية. في الختام توزّع جوائز أفضل ممثل وممثلة، وأفضل إخراج وسينوغرافيا ونص وأفضل عمل، بالإضافة إلى جائزة لجنة التحكيم التي تضمّ مدير المشاريع الفنية الهولندي نيل فان در ليندن، ولمى كوثراني، والمخرج المسرحي والسينمائي العراقي محمد العامري، والممثلة والمخرجة الدنماركيّة صوفي باركلي.

* الدورة الثانية من «مهرجان لبنان المسرحي الدولي»: 16:00 عصر اليوم حتى 10 كانون الأوّل (ديسمبر) ــ «المسرح الوطني اللبناني» (مدينة صور ــ جنوب لبنان). للاستعلام: 70/903846



أفلام قصيرة
بالتعاون مع «مهرجان كرامة السينمائي» في الأردن، ستعرض مجموعة من الأفلام القصيرة طوال مدّة المهرجان، تتراوح بين الروائي، والوثائقي والأنيميشن. الافتتاح اليوم سيكون مع فيلم «العودة إلى ساو باولو» للمخرج البرازيلي يوغو هتوري. نهار الغد (8/12) سيعرض «هذه ليلتي» للمخرج المصري يوسف نعمان، و«ينمو» للأردني طارق ريماوي الذي يعرض له أيضاً فيلما «المفاجأة» (9/12)، و«المفقود» (10/12). يضم البرنامج السينمائي أيضاً فيلم «ما اسمك؟» (9/12) للبناني نور المجبر، و«مدينة البوركة» (10/12) للفرنسي فابريز بارك.