طوّر علماء «وحدة فك ترميز اللغة» تقنية تتيح من خلال تصوير الدماغ والذكاء الاصطناعي، ترجمة أفكار الشخص إلى لغة من دون التحدث، ويكمن هدفها الرئيس في مساعدة المرضى الذين فقدوا القدرة على التكلّم، على توصيل أفكارهم عبر الكمبيوتر، بحسب دراسة نُشرت نتائجها أمس.
ورغم استخدام «وحدة فك ترميز اللغة» هذه لأغراض طبية، فإن هذا الجهاز الجديد يثير تساؤلات حول انتهاك «الخصوصية العقلية»، وفق معدي الدراسة التي نشرت نتائجها مجلة «نيتشر نيوروساينس».

ولدرء الانتقادات، أشار الباحثون إلى أن أداتهم لا تعمل إلا بعد تدريب الدماغ من خلال تمضية ساعات طويلة في جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي ودعوا إلى وضع قواعد تهدف إلى حماية الخصوصية.

وكانت تقنيات سابقة بين الدماغ والآلة، وهي أجهزة تهدف إلى السماح للأشخاص ذوي الإعاقات الكبيرة باستعادة الاستقلال الذاتي، أثبتت جدواها. فقد أظهرت إحدى هذه الأجهزة قدرة على ترجمة جمل من شخص مشلول غير قادر على التحدث أو الكتابة على لوحة المفاتيح.

لكن هذه الأجهزة تتطلب تدخلاً جراحياً، مع زرع أقطاب كهربائية في الدماغ، والتركيز فقط على مناطق الدماغ التي تتحكم في الفم لتكوين الكلمات.

وفي السياق، قال عالم الأعصاب في جامعة «أوستن» في تكساس، ألكسندر هوث، المشارك في إعداد الدراسة، خلال مؤتمر صحافي «يعمل نظامنا على مستوى الأفكار والدلالات والمعنى»، من خلال أسلوب غير جراحي.

وتشير نتائج التجربة التي أجراها الباحثون، وفق هوث، إلى «أننا نفك تشفير شيء أعمق من اللغة ثم نحوله إلى لغة»، بينما قال معدّو الدراسة إن وحدة فك التشفير لا تعمل على دماغ شخص لم يتم تدريبها عليه.

ومن جانبه، اعتبر ديفيد رودريغيز أرياس فيلهين، وهو أستاذ في أخلاقيات علم الأحياء في جامعة «غرناطة» الإسبانية، لم يشارك في الدراسة، أن هذه النتائج تشكل تقدماً حقيقياً مقارنة بالتقنيات السابقة بين الدماغ والآلة.

ولفت فيلهين إلى أن هذه النتائج تقرّبنا من مستقبل ستكون فيه الآلات «قادرة على قراءة العقول وتدوين الأفكار». لكنه حذّر من أن هذا الأمر قد يحدث خلافاً لإرادة الأشخاص، على سبيل المثال عندما يكونون نائمين، ما يعرّض حريتنا تالياً للخطر في المستقبل.

ما الذي أتاحته التقنية؟

أثناء التجربة، أمضى ثلاثة أشخاص 16 ساعة في جهاز تصوير طبي وظيفي (fMRI). وتتيح هذه التقنية تسجيل الاختلافات في تدفق الدم في الدماغ، وبالتالي الإبلاغ في الوقت الفعلي عن نشاط المناطق الدماغية أثناء مهمات معينة (الكلام والحركة وما إلى ذلك).

وقد أسمع الباحثون المشاركين في التجربة مدونات صوتية (بودكاست) سُردت خلالها قصص. وسمح ذلك للباحثين بتحديد طريقة تحفيز الكلمات والجمل ومعانيها لمناطق مختلفة من الدماغ.

ثم أدخل القائمون على الدراسة تلك البيانات في شبكة عصبية برمجية لمعالجة اللغة الاصطناعية باستخدام برنامج الذكاء الاصطناعي «جي بي تي-1» (GPT-1)، سلف روبوت المحادثة الشهير «تشات جي بي تي».

ودُرّبت الشبكة على التنبؤ بطريقة تفاعل كل دماغ مع الكلام المسموع، ثم استمع كل شخص إلى قصة جديدة داخل جهاز الرنين المغناطيسي الوظيفي، لاختبار ما إذا كانت الشبكة قد خمّنت بشكل صحيح.

وفي النتيجة، ورغم إعادة الصياغة أو تغيير ترتيب الكلمات في كثير من الأحيان، تمكنت وحدة فك التشفير من «إعادة بناء معنى ما سمعه الشخص»، على ما أوضح جيري تانغ، من جامعة «أوستن»، وهو المعد الرئيسي للدراسة.

على سبيل المثال، عندما سمع أحد المستخدمين عبارة «ليس لدي رخصة قيادة بعد»، أجاب نموذج الشبكة «هي لم تبدأ حتى تعلم القيادة بعد».

وذهبت التجربة إلى أبعد من ذلك: فحتى عندما تخيل المشاركون قصصهم الخاصة أو شاهدوا أفلاماً صامتة، كان جهاز فك التشفير قادراً على التقاط جوهر أفكارهم.

وتمكن المشاركون الثلاثة أيضاً من خداع الآلة بسهولة: فأثناء الاستماع إلى مدونة صوتية، كان عليهم العد إلى سبعة وتخيل حيوانات وتسميتها أو سرد قصة أخرى في رؤوسهم... تكتيكات كثيرة «خربت» عمل وحدة فك الترميز.