أدخلت التكنولوجيا تعديلات جذرية على قواعد علم النفس السلوكي، وأسهمت في تغير طريقة تفكيرنا ومشاعرنا وحتى أحلامنا. التأثير واضح على ذاكرتنا وتركيزنا ونومنا. أدى ذلك الى انطلاق ظاهرة علمية جديدة تسمى «طواعية الأعصاب» أو قدرة الدماغ على تبديل التصرفات بالاستناد إلى تجارب جديدة. ولقد أمكن من خلال هذه الظاهرة رصد كم هائل من ردود الفعل الناتجة من استخدام الإنترنت والتكنولوجيا التفاعلية.
يشيد بعض خبراء الإدراك بالنتائج الهائلة التي سببتها التكنولوجيا على أداء الدماغ البشري، وقدرتها على تنظيم حياتنا وتحرير عقولنا للتفكير أعمق. في المقابل، يخشى البعض الآخر من الآثار السلبية للتكنولوجيا التي شلت العديد من اهتماماتنا وجعلتنا أقل إبداعاً وجلداً.
ظهر خلال السنوات الماضية العديد من الدراسات التي ركزت على أثر التكنولوجيا السلوكي والذهني، وتتراوح هذه الدراسات بين الإيجابية والسلبية تجاه هذا التأثير، وسط ميل واضح إلى تغليب الآثار السلبية. وقد خرجت هذه الدراسات بالعديد من النظريات المستندة إلى بحث علمي واستبيانات علمية. وخلصت الى أن التكنولوجيا ستؤدي بعقل الإنسان بحلول منتصف القرن الحالي إلى أن يصبح طفولياً تماماً، وعرضة للوقوع في متاهات السهو والإفراط في الحساسية وعدم القدرة على التركيز والحس المهزوز بالهوية.
التلفزيون هو أول الظواهر التكنولوجية التي رصدت من خلال آثاره الواضحة على الأحلام. في عام 2008، بيّنت دراسة أجرتها جامعة دندي في اسكوتلندا أن الذين تجاوزوا عامهم الخامس والخمسين قد نشأوا في زمن كان لا يزال فيه التلفاز يبث الصورة باللونين الأبيض والأسود، وأن هؤلاء كانوا في غالبية الأحيان يتصورون أحلامهم بالأبيض والأسود أيضاً. الشباب الذين شاركوا في هذه الدراسة والذين عايشوا التلفزيون الملون كانوا على العكس يتصورون أحلامهم بالألوان، وقد صادقت الجمعية الأميركية لعلم النفس على نتائج هذه النظرية في عام 2011.
نظرية «الخوف من أن فقدان اللحظة» هي واحدة من النظريات التي عرفتها صحيفة نيويورك تايمز بأنها «مزيج من القلق وعدم الكفاية، والإثارة التي يمكن أن تشتعل بسبب وسائل الإعلام الاجتماعية».
44 في المئة يقولون إن الهواتف وأجهزة الكومبيوتر تعيق
من نومهم ليلاً

وبعد دراسات عديدة أجريت على أشخاص لا ينامون جيداً، تم الكشف أن من أسباب الأرق التكنولوجيا الحديثة، حيث وجد أن حوالى 16 في المئة فقط من الأشخاص يحصلون على ثماني ساعات نوم منتظم خلال الأسبوع. وبناءً على دراسة لشركة Potter’s Herbals فإن حوالى 44 في المئة من الأشخاص يقولون إن الهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر اللوحي تعيق من نومهم ليلاً.
ويقول الباحثون إن الإجهاد من السهر يمكن أن يؤدي إلى مشاكل سلوكية كبيرة، بما في ذلك المشاكل مع أفراد الأسرة، وعدم القدرة على التركيز في العمل.
تعرّض الدماغ لتغيّرات متسارعة نتيجة للتطور التكنولوجي لم تعد موضع جدل. التساؤلات حيال أثر التكنولوجيا على الأدمغة لا تقتصر على علماء الأعصاب، بل تشمل أيضاً علماء الأحياء الذين يدرسون وقع ألعاب الفيديو على الدماغ. ويعكف هؤلاء على تحديد كيفية تأثير تمضية المرء لساعات متسمّراً أمام الشاشة ومتفاعلاً مع ألعاب الفيديو على تبديل وإعادة تشكيل سلوكه بواسطة التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي.
توصلت إحدى الدراسات إلى أن القدرات البصرية لدى مستخدمي ألعاب الفيديو الأكثر شراهة تحسّنت بصورة واضحة، وذهبت لتقول إن هذه الألعاب يمكن أن تحل مكان النظارات أو العدسات اللاصقة. كما تركّز الدراسة على تأثير الألعاب على قدرة الدماغ على حل المشاكل واتخاذ القرارات.
لا شك أن هناك تضارباً بين الدراسات التي تتناول أثر التكنولوجيا الحديثة على الدماغ. هل تجعل التكنولوجيا البشر أكثر ذكاء أو غباء؟ تعقيدات كل من الدماغ والتكنولوجيا تجعل من الإجابة عن هذا السؤال مسألة مستعصية، وتستحضر مجموعة من العوامل المتداخلة التي ينبغي التدقيق فيها. فالأمر لا يتعلق بمدى سوء أو حسن وقع التكنولوجيا على الأدمغة، وبالتالي على حياة البشر. المسألة تتعلق بمدى تطويع التكنولوجيا لخدمة الإنسان أو الإنسان لخدمة التكنولوجيا.

يمكنكم متابعة بسام القنطار عبر | http://about.me/bassam.kantar