أثار اعتقال المسؤولة المالية لشركة «هواوي» الصينية في كندا، مينغ وانتشو، بناءً على طلب الولايات المتحدة، جدلاً واسعاً في تبعات هذه الخطوة، ولا سيّما أن واشنطن وبكين أعلنتا «هدنة تجارية» قبل فترة قصيرة. يوم أمس انتهى، أخيراً، بإطلاق سراح مينغ مقابل كفالة مالية، في إجراءٍ اتخذه قاضٍ كندي بعد ضغوط مارستها السلطات الصينية، التي أوقفت، قبل ساعاتٍ قليلة من موعد الجلسة، دبلوماسياً كندياً سابقاً في الصين يُدعى مايكل كوفريغ. لكن يبدو أن الهدنة ستكون هشّة، مع إصرار الولايات المتحدة على استئناف حملة اتهاماتها للصين، وهذه المرة عبر استهداف الشركات الصينية الخاصة وقطاعات رئيسية في الاقتصاد بداعي الأمن. ومن ناحية أخرى، فإن السياق الذي جرى فيه إلقاء القبض على وانتشو يستدعي طرح سؤال أساسي بشأن القضية: لماذا تستهدف الولايات المتحدة شركة «هواوي» الصينية؟ الجواب قد يكون في فصل جديد من الحرب الاقتصادية المستعرة بين واشنطن وبكين
لماذا اعتقلت كندا المديرة المالية لـ«هواوي»؟
القضاء الأميركي يطالب كندا بتسليمه ابنة مؤسس «هواوي»، التي أوقفت في فانكوفر في الأول من الشهر الحالي، بتهمة «التواطؤ في احتيال مفترض يهدف إلى الالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على إيران». بمعنى أدقّ، يتهم القضاء مينغ وانتشو بالتستر على صلات شركتها بشركة أخرى حاولت بيع معدات لإيران رغم العقوبات المفروضة عليها، وهي تواجه في الولايات المتحدة عقوبة السجن لمدة يمكن أن تصل إلى ثلاثين عاماً.

ما الأهمية التي تكتنزها «هواوي»؟
تأسست الشركة العملاقة في عام 1987، ويبلغ عدد العاملين فيها 180 ألف موظف. مذّاك، بدأت «هواوي» في تصنيع أجهزة متعلقة بشبكات الهواتف المحمولة وحققت نمواً سريعاً في هذا المجال، لتتفوق على نظيرتيها «نوكيا» و«إريكسون»، ما جعلها إحدى الشركات الرائدة عالمياً. أخيراً، دخلت «هواوي» مجال صناعة الهواتف الذكية، واستحوذت على 15 بالمئة من السوق العالمية. كذلك، انتزعت المرتبة الثانية عالمياً في الهواتف الذكية من شركة «آبل» الأميركية، خلال الربع الثاني من العام الحالي، لتصبح الآن في تحدٍّ مباشر مع «سامسونغ» الكورية.

ممّ تخشى واشنطن؟
تخشى واشنطن أن تتمكن بكين مع الانتقال إلى الجيل الخامس من التكنولوجيا المحمولة من اختراق شبكات اتصالاتها العسكرية. وفي هذا السياق، تعتبر إدارة ترامب مجموعة «هواوي» بمثابة «حصان طروادة»، وما يؤجج ريبتها، حسب ادعاءات مسؤولين أميركيين، أن مؤسس المجموعة، أي والد المديرة المالية الموقوفة، هو ضابط سابق في الجيش الصيني. الوضع القائم حالياً برأي الأميركيين، لخّصه أيضاً خبير التكنولوجيا جيمس لويس، الذي قال: «لكأنّ الشخص الذي بنى منزلكم يقرر سرقته»، موضحاً: «إنه يعرف الخطط والشبكة الكهربائية والمنافذ، وربما احتفظ حتى بمفتاح».

كيف تردّ «هواوي» على الاتهامات الأميركية؟
تنفي شركة «هواوي» قيامها بأي «عمليات تجسّس» كما تتهمها واشنطن، وتؤكد أنها تحترم القوانين احتراماً تامّاً داخل البلدان التي تعمل بها. كذلك، تحرص «هواوي» على تقديم نفسها على أنها مستقلة عن الحكومة الصينية. وتقول إنها تمنح أولوية للسلامة والأمن عند تقديم خدمات تكنولوجية. وقد يكون هذا المناخ من العداء لها يعود إلى أنها أصبحت منافساً قوياً للمنتجات الأميركية. وفي وقتٍ سبق اعتقال المديرة المالية لـ«هواوي»، قالت الحكومة الصينية إن التحركات لإيقاف نشاط الشركة يرقى إلى مستوى الحمائية والممارسات التميزية بحقها.

هل أصبحت طموحات الصين التكنولوجية في خطر؟
تعتبر بكين أن توقيف المديرة المالية لـ«هواوي» ليس سوى محاولة اخرى تقوم بها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لتحجيم شركة تكنولوجية صينية كبرى. وبعد وضعها على القائمة السوداء في العديد من الدول الغربية، تجد الصين طموحاتها لتصدير تكنولوجيا الاتصالات في مأزق. وهو مأزق حذّر من تبعاته خبير التكنولوجيا في «مجموعة أوراسيا» للدراسات، بول تريولو، الذي رأى أن «الخطر بالغ: إن خسرت هواوي وصولها إلى الأسواق الغربية المربحة، فقد تخسر أيضاً قدرتها على النمو وتمويل إنفاقها على الأبحاث والتطوير». والرهان الكبير هو الجيل الخامس من تكنولوجيا الأجهزة المحمولة (5 جي)، المدعوّ إلى أن يصبح العمود الفقري لعملية الانتقال إلى اقتصادات رقمية، انطلاقاً من المركبات الذاتية القيادة إلى الذكاء الاصطناعي. وهي كلها مجالات تطمح بكين إلى أن تصبح رائدة فيها من خلال خطتها «صنع في الصين 2025».
والخطر الأكبر على بكين، أن تقوم الولايات المتحدة، التي تقف خلف توقيف وينغ في كندا، بمنع الشركات الأميركية مثل «إنتل» و«كوالكوم»، من بيع «هواوي» شرائح أو غيرها من الأجهزة الإلكترونية التي يتوقف عليها عمل المجموعة. هذا الأمر، إذا حصل، «سيكون كارثة للطموحات التكنولوجية الصينية»، و«سيهدد (هواوي) نفسها والشركات المتعاقدة معها ومستقبل هذا المجال»، على ما يرى خبير التكنولوجيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، جيمس لويس.