في الأول من تشرين الثاني الفائت، عبّرت شركة "سترافا" عن سعادتها بالإعلان "عن أول تحديث ضخم للخريطة الحرارية العالمية"، التي تنتجها مختبراتها منذ عام 2015. يتضمن هذا التحديث بيانات أكثر بست مرات من قبل، إذ وصل مجموع الأنشطة الرياضية التي رصدتها الشركة من خلال تطبيق "سترافا" إلى مليار نشاط حتى أيلول من العام الفائت. و"سترافا" هو موقع على شبكة الإنترنت وتطبيق يتم تحميله على الهواتف يستخدم لتتبع النشاط الرياضي عبر الأقمار الصناعية ومشاركة هذه الأنشطة.
أبرز الأنشطة التي يتم تسجيلها على التطبيق هي الركض وركوب الدراجات، فيتم تحميل الطرقات التي يجري عليها الرياضيون وتحليل لياقتهم الرياضية وأخذ بياناتهم الحيوية من خلال جهاز fitbit (وهو جهاز لاسلكي قابل للارتداء لتعقّب الأنشطة يقيس بيانات مثل عدد خطوات المشي، معدّل ضربات القلب، نوعية النوم، عدد الدرجات التي تم صعودها، ومقاييس شخصية أخرى) وغيرها من الأجهزة القابلة للارتداء.
إذاً، من خلال الخريطة الحرارية، يمكن لأي كان أن يرى أين يمارس محملو التطبيق أنشطتهم الرياضية والطرق التي يتبعونها، من دون معرفة هوياتهم. وعليه فالشركة تحتفل ببلوغها رقماً قياسياً جديداً بعدد الأنشطة المسجلة على تطبيقها، معتبرة أن الخريطة المحدثة "هي أكبر، أغنى، وأجمل مجموعة بيانات فريدة من نوعها لممارسي الرياضة". إنجاز شركة "سترافا"، وخريطتها الحرارية الموجودة على الانترنت، تحوّل نهاية الشهر الفائت إلى مصدر قلق للجيش الأميركي، إذ يفضح إمكان تمركز الفرق العسكرية الأميركية الموجودة في مناطق الحروب والصراعات، فقد لاحظ طالب أسترالي يدعى ناثان روسر، يدرس الأمن الدولي في منطقة الشرق الأوسط، أن الخريطة أظهرت بوضوح أنشطة حول القواعد العسكرية الأميركية في مناطق الحروب، وذلك بسبب تعقبها لأجهزة FITBIT التي يرتديها الجنود وغيرها من الأجهزة المماثلة. وكشفت الخريطة الحرارية أماكن وجود الفرق العسكرية في مناطق حساسة مثل سوريا والعراق وتحركاتها، كما كشفت قواعد عسكرية قد تكون سرية وذلك من خلال رصد الطرقات التي يمارس فيها الجنود الركض حول قواعدهم العسكرية من خلال أجهزة fitbit التي يرتدونها، ما عُدّ بمثابة ثغرة أمنية "خطيرة" من وجهة نظر الجيش الأميركي.

إنجاز شركة «سترافا» تحوّل نهاية الشهر الفائت إلى مصدر قلق
لدى الجيش الأميركي


تحدد الخريطة أماكن الأنشطة الرياضية الحاصلة من خلال خطوط صفراء وحمراء على الطرقات التي تتم عليها الأنشطة. أوروبا مضيئة بأكملها كذلك الولايات المتحدة الأميركية واليابان. أما مناطق أخرى مثل سوريا والعراق والصومال ونيجيريا وجيبوتي فهي مطفأة بالكامل ما عدا نقاط صغيرة مشعة بقوة متوزعة على الخريطة. عند الاقتراب أكثر في الخريطة تظهر مناطق نائية بحركة غريبة ليتبيّن أنها قواعد عسكرية للجيش الأميركي يمكن رصدها بسهولة من خلال الأقمار الاصطناعية.
بالإضافة إلى ذلك، قد يكون بعض المستخدمين من الجنود نسوا إغلاق التطبيق عند الانتهاء من ممارسة الرياضة فبقي التطبيق يعمل أثناء القيام بمهامهم حيث من المرجّح أن يكون قد تم التقاط طرق الإمدادات الهامة والروتينات اليومية الرئيسية للجنود بواسطة الخريطة الحرارية.
ما أن شاع الخبر حتى بدأ العديد من الناس يحاولون رصد قواعد أميركية ونشرها على تويتر، فلاحظ أحد الصحافيين نشاط ركض على شاطئ بالقرب من قاعدة مشتبه أنها لوكالة الاستخبارات المركزية في مقديشو في الصومال، كما تمكّن آخر من تحديد قواعد عمليات أميركية خاصة في منطقة الساحل في أفريقيا.
في تصريح لـ"واشنطن بوست" يقول المحلّل الأمني الدولي توبياس شنايدر، إن هذه البيانات تقدّم منجماً للمعلومات لكلّ من يريد مهاجمة أو نصب كمين للقوات الأميركية في القواعد أو حولها، بما في ذلك أنماط النشاط داخل القواعد. فالكثير من الناس يرتدون أجهزة تعقب اللياقة طوال اليوم لتتبع صحتهم وهذا يعني أن الخرائط تكشف أكثر بكثير من مجرّد عادات ممارسة الرياضة. يضيف شنايدر أن "خطوط النشاط التي تمتد من القواعد وتعود إليها قد تشير إلى مسارات الدوريات. تظهر خريطة أفغانستان على أنها شبكة عنكبوتية من خطوط تربط القواعد، وتُظهر طرق الإمداد، كما هو الحال في شمال شرق سوريا، حيث تحتفظ الولايات المتحدة بشبكة من القواعد غير المعلنة في الغالب. قد تشير تركيزات الضوء داخل القاعدة إلى أين يعيش الجنود، وأين يتناولون طعامهم أو يعملون مما يشير إلى أهداف محتملة للأعداء". ففي موقع في شمال سوريا بالقرب من أحد السدود، حيث يشتبه المحللون أن الجيش الأميركي يبني قاعدة عسكرية، تظهر الخريطة نقطة صغيرة من النشاط يرافقها خط مكثف على طول السد القريب، مما يشير إلى أن الموظفين في الموقع يهرولون بانتظام على طول السد. وبحسب شنايدر فإن هذه الخرائط تكشف نمط الحياة حيث يمكن رؤية أين يعيش الجنود وأين يركضون حتى أنه في إحدى القواعد العسكرية الأميركية في منطقة التنف في سوريا التي تقع على الحدود السورية - العراقية، يمكنك أن ترى الجنود يركضون في دوائر. وعليه بدأت الإدارة الأميركية باتخاذ إجراءات مشددة في بعض القواعد العسكرية في ما يتعلق بأجهزة الهواتف والأجهزة القابلة للارتداء وستعيد تقييم هذه الثغرة الأمنية، علماً أن الخرائط لا تزال متوفرة على الإنترنت.

* للمشاركة في صفحة تكنولوجيا التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]