د. يحيى طاهرد. رفيق الحق

شهدت السنوات الخمس الأخيرة نموّاً هائلاً في البيانات الضخمة نسبة الى زيادة استخدام إنترنت الأشياء في بناء الأنظمة المترابطة مثل الأنظمة العسكرية الذكية، وإلى ارتفاع عدد التطبيقات المتعلقة بوسائل التواصل الاجتماعي من نصوص، وصور، وتسجيلات صوتية وفيديو.

تؤمّن هذه البيانات الضخمة فرصاً عدة للصناعة العسكرية، وخصوصاً أن تحليل البيانات الضخمة يسمح بالكشف عن دلالات تنفيذية يرتكز عليها صنّاع القرار لتطوير مختلف الشؤون العسكرية، فتساعد البيانات الضخمة على تطوير قدرات الاستخبارات العسكرية من خلال جمع البيانات من مصادر مختلفة وبناء منصة حاسوبية مترابطة تعزّز تبادل المعلومات بين العسكريين. في السنوات الأخيرة، تم إدراج مفهوم حرب المعلومات (أو استخدام وإدارة المعلومات للحصول على ميزة تنافسية على العدو) بغية جمع المعلومات التكتيكية عن الأعداء.
يشكّل النظام الذي يتمتع بشبكة اتصال كبيرة بين الأشياء (Internet of Things) أداة مهمة لتوليد شبكة المعلومات في المجال العسكري، فيساعد على تشبيك أدوات عسكرية عدة (مثل: الرادار، الطائرات والغواصات) وعلى جمع وتبادل المعلومات بوتيرة أسرع وعلى تحليلها بكفاءة وفعالية.
عزز إنترنت الأشياء النظام العسكري في ساحات المعارك من خلال تبادل المعلومات، وتحديد مواقع العدو على أرض المعركة وغيرها، بحيث بات يشكل تحليل المعلومات عن العدو بشكل دقيق وبالوقت الفعلي إحدى الخطوات الأساسية في عملية صنع القرار العسكري، إذ تظهر تكنولوجيا البيانات الضخمة قدرة على تحليل هذه المعطيات بشكل صحيح، ما يسهل عملية اتخاذ القرار من قبل القادة العسكريين.
في الآونة الحديثة، صمّمت القوات المسلحة الأميركية بدلة حديثة مرتبطة بتكنولوجيا إنترنت الأشياء، تشكل الخوذة فيها جهاز استشعار (Sensor). تسمح أجهزة الاستشعار الموجودة على الخوذة للجندي بأن يتصل بأجهزة عدة، وبأن يوفر بيانات متعددة ومنها صور. أما مشروع " DARPA" فيضع تصميماً لمركبة عسكرية ذكية (XC2V FlypMode Military Assault Vehicle) مجهزة بعدة أنواع من أجهزة الاستشعار التي يمكن أن تلتقط المعلومة في الوقت الفعلي، وأن تنقلها إلى موقع آخر مثل " centralized container" أو "data lake".
كذلك تشكل الطائرة بلا طيار (drone) مثالاً لتكنولوجيا إنترنت الأشياء، ولتقدم التكنولوجيا العسكرية. تتوافر أنواع عدة من الطائرات؛ منها ما يستخدم لجمع البيانات بواسطة "نظام التموضع العالمي-GPS" والكاميرات التي تلتقط وترسل صوراً عن المواقع والأشياء. تجمع طائرة واحدة من دون طيار هي "MQ-9 Reaper Drone"، التي تستخدم في مهمات تجسس، بيانات يوازي حجمها سعة 20 حاسوباً محمولاً وتحمل هذه الطائرات آلات لتسجيل فيديو في كلّ ثانية.
إضافة إلى ذلك، يلتقط نظام المراقبة " The US ARGUS ground" أكثر من 40 غيغابايت من المعلومات في الثانية الواحدة وتوفّر الأقمار الصناعية للتجسس بيانات جغرافية.
تؤثر البيانات الضخمة ودورها في تعزيز الأمن العالمي على عمل شركات الدفاع التي تتنافس في السوق، فأصبح من المهم أن يستثمر المسؤولون في المجال العسكري البيانات الضخمة بشكل فعّال لاستخراج الدلالات المعبّرة والمهمة في شأن الأمن القومي للمواطنين، وفي شأن حياة العسكريين في ساحات القتال. على سبيل المثال، سجلت وفيات الانتحار في الولايات المتحدة الأميركية، في العام الماضي، وفق مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، معدل 11.9 وفاة لكل 100 ألف شخص. يضم الجيش الأميركي نحو 500 ألف عنصر، غير أن نسبة الانتحار تبلغ في صفوفه 20.2 وفاة لكل 100 ألف شخص أي ضعف المعدل مقارنة مع المدنيين، ما جعل إدارة القوات المسلحة تدرك أنه يجب اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة. أظهرت إدارة الجيش رغبة في البحث عن العوامل التي تدفع بالجنود الى الانتحار وتحديد المخاطر، فوجد صناع القرار أن البيانات الضخمة يمكن أن تلعب دوراً حقيقياً في تحديد الأنماط السلوكية للجنود. وعليه، قامت إدارة الجيش بجمع الكثير من البيانات المتعلقة بالجنود بغية تحديد العناصر الأكثر عرضة للانتحار.
ترتبط البيانات الضخمة بمجموعة من الآليات التكنولوجية الجديدة المتعلقة بجمع البيانات، ونقلها، وتخزينها، وتنظيمها وتحليلها. وتسمح هذه الأدوات، بشكل خاص، للمسؤولين في المجال العسكري بإدراج وسائل التواصل الاجتماعي في آليات التحليل للحصول على أجوبة للتساؤلات بحيث بإمكانهم من خلال التحليل كشف أشخاص لديهم عدة صفحات شخصية على شبكات التواصل الاجتماعي أو عن مجموعات نشطة على هذه المواقع.
ويعتبر سبر البيانات (information mining) مثالاً آخر مهماً على استخدام البيانات في مجال الأمن القومي، فيمكن جمع المعلومات في شأن شخص ما من مصادر متعددة، ثم ربطها وتحليلها بالوقت الفعلي لاستخراج الدلالات المهمة في شأن الأمن القومي، ما يؤمن تقدماً على الأعداء، وخصوصاً في ساحة المعركة.
وبالرغم من أن البيانات الضخمة واعدة في المجال العسكري، غير أن دولاً قليلة تعتمدها نسبة الى أن تكنولوجيا البيانات الضخمة معقدة وتحتاج الى خبرات عالية وكفوءة، ما يوجب تسهيل وتبسيط هذه التكنولوجيا لرفع معدل استخدامها.

* أستاذ وباحث في جامعة فرساي - باريس وفي كلية العلوم في الجامعة اللبنانية
** باحث في المركز الفرنسي لتحليل البيانات الضخمة "COGNITUS" – باريس