aعلى مدى السنوات الماضية، تطوّرت قدرات الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي في التعرّف إلى الوجه بسرعة، حتّى بلغت درجة من الدقة تسمح بالاعتماد على هذه التقنية لاستخدامات أمنية، برغم بعض الملاحظات حولها. إشكاليات عديدة تُطرح حول هذه التقنية، بدءاً من تمييز الذكاء الاصطناعي وانحيازه تجاه فئات معينة تبعاً لخلفية العلماء والمبرمجين، وصولاً إلى طرح قضية الخصوصية.
على سبيل المثال، تنتشر في الصين هذه التقنية كثيراً، إلى درجة أنها قد تغيّر كل شيء، بدءاً من طريقة البحث عن المجرمين، وصولاً إلى تفاعل الناس يومياً مع المصارف والمتاجر وخدمات النقل؛ إذ بإمكان الأشخاص أن يدفعوا بوجوههم عبر تطبيق يتميز بدرجة عالية من الدقة في التعرف إلى الوجه، بما يسمح باستخدامه لإجراء المعاملات المالية واستعماله في الحياة اليومية. الدفع عبر الوجه تقنية جديدة ظهرت في السنوات الماضية واتبعتها شركة «ماستر كارد» التي أطلقت العام الماضي تطبيقاً خاصاً بها يمكّن المستخدمين من استعمال هذه التقنية. توفر هذه التقنية طريقة آمنة ومريحة للغاية للدفع، ولكنها تثير مخاوف حول الخصوصية.
Face++ هي شركة ناشئة صينية تقدر قيمتها بنحو مليار دولار يمكنها أن ترصد الوجوه، تقارن بينها، تبحث عنها وتحللها تحت عنوان «اكتشف قوة الذكاء الاصطناعي»، من خلال تطبيق أطلقته عام 2012 لتقوم هذه السنة بتحديثه (Face++ Cognitive Services) باستخدام تقنية التعلم العميق، وهي تقنية الذكاء الاصطناعي التي تكون فعالة بشكل خاص في التعرف إلى الصور لأنها تجعل جهاز الكمبيوتر يركز في ملامح الوجه التي تمكّن من التعرف إلى الأشخاص بشكل موثوق. تقنية التعلم العميق هي شكل جديد نسبياً من الذكاء الاصطناعي ينطوي على شبكة من الخوارزميات المعقدة التي تستند بشكل فضفاض على الشبكات العصبية للدماغ البشري. هي بالأساس نمط تعرّف قوي جداً يستخدم كمية هائلة من البيانات التي تمكن أجهزة الكمبيوتر بالقيام بأشياء تلقائياً مثل إضافة الألوان الدقيقة إلى الصور بالأبيض والأسود.

على الجمهور
ان يبقى متيقظاً
وحذرا من اي تكنولوجيا مراقبة تستخدم ضمن الإطار الاستهلاكي

يمكن التطبيق أن يتتبع 83 سمة فريدة من نوعها في الوجه، وبناءً عليها يسمح للشخص بدخول المباني التي تحتاج إلى تصاريح، تتبع تحركاتك في الغرف، ودفع ثمن السلع في المتاجر التي تمتلك هذه التكنولوجيا. حتّى أنّ هذه التقنية تسمح للمطاعم بالترحيب بزبائنها بالاسم بمجرد رصدهم عبر الكاميرات في المدخل. بعد إدخال قاعدة بياناتك الخاصة إلى التطبيق يصبح بإمكان الشخص أن يدفع مباشرة من خلال التعرف إلى وجهه في التطبيقات التي تستخدم خدمات الشركة؛ لدفع ثمن السلع والخدمات بالوجه، يجب على الشخص أن يثبت أنه على قيد الحياة من خلال تحريك وجهه من أجل تفادي أي عملية خداع للنظام من خلال استخدام صور. تنجح هذه التقنية بشكل كبير في الصين، نظراً إلى امتلاك الحكومة قاعدة بيانات مركزية لجميع صور الهوية والمجرمين.
تقول الشركة إن هذه التكنولوجيا قادرة على القيام بثلاثة أشياء: تحديد ملامح الوجه، كشف السن والعرق والتعابير والتعرف إلى الوجه، ويمكن استخدامها للتحقق من الهوية والبحث عن الأشخاص. وتقدم الشركة حزمة أدوات تطوير البرمجيات وواجهات برمجة التطبيقات للمطورين الذين يرغبون في استخدام التكنولوجيا في تطبيقاتهم.
تُستخدم تكنولوجيا Face++، على ما تنقل المجلة الصادرة عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، في العديد من التطبيقات الشعبية المنتشرة في الصين بحيث تتيح نقل الأموال من خلال تطبيق Alipay عبر التعرف إلى الوجه فقط، إذ لا حاجة لكلمات مرور أو بصمات فقط على الشخص أن يحرّك وجهه، كذلك تستخدمها شبيهة «أوبر» في الصين «ديدي» للسماح للركاب بأن يتأكدوا من أن السائق مسجّل مع الشركة. وتستخدم السلطات الرسمية Face++ للتعرف إلى المجرمين الذين يظهرون في كاميرات المراقبة.
شركات كبرى أخرى تطوّر تطبيقات للتعرف إلى الوجوه خاصة بها مثل أمازون، مايكروسوفت، غوغل وغيرها، إذ إن سوق التعرف إلى الوجوه ستبلغ قيمته 2.7 مليار دولار عام 2022، وبرغم ما توفره هذه التقنية من سهولة في الدفع وحل مشكلة نسيان كلمات المرور التي يواجهها العديد من الناس، إلا أن خطورتها تكمن في استخدامها كأداة للقمع. إن المخاطر التي تطرحها هذه التقنية في ما يتعلق بالخصوصية والحريات كبيرة، اذ يمكن استخدامها لتحديد مواقع الأشخاص وتتبعهم سراً عن بعد، كذلك يمكن استخدامها في التجمعات الكبرى مثل التظاهرات والاحتجاجات للتعرف إلى المشاركين واستهدافهم. وبناءً عليه، يقول الباحثون إن على الجمهور أن يبقى متيقظاً وحذراً من أي تكنولوجيا مراقبة تستخدم ضمن الإطار الاستهلاكي كي لا تتحول إلى شبكة مراقبة جماعية يمكن الحكومات أن تستخدمها بعيداً عن هدفها الأساسي.
تنمو تكنولوجيا التعرف إلى الوجوه سريعاً وتنمو معها المخاوف المتأتية من الكميات الهائلة من البيانات التي يجري جمعها، وبناءً عليه يجب على الناس والمشرعين أن يقرروا إلى أي مدى يريدون أن تصل هذه التكنولوجيا، وماهية التسوية التي يجب أن تحصل بين الخصوصية والرفاهية.

* للمشاركة في صفحة تكنولوجيا التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]