أن تخرق الطائرات الحربية الروسية الأجواء الإسرائيلية في الجولان المحتل، أمر ممكن التحقق عملانياً، خاصة أنّ النشاط العسكري الروسي ضد مواقع الجماعات المسلحة في الجنوب السوري قريب جداً من الحدود الإسرائيلية شمالاً.وأن يبادر الإسرائيلي إلى معالجة هذا الخرق بطريقة غير صدامية، هي مسألة مفهومة بل وأيضاً متوقعة، في سياق السياسة المعلنة بين الجانبين، حول ضمان سلامة تحليق سلاحي الجو فوق السماء السورية.

لكن أن يعلن الاسرائيلي عن خرق مقاتلة روسية للأجواء فوق الجولان السوري المحتل، كما ورد أمس على لسان وزير الأمن موشيه يعلون، وأن يشدّد على أنّه لم يعترض طريقها ولم يستهدفها، يجعل من الاعلان هو الحدث أكثر من الخرق نفسه، لدلالاته التوظيفية في هذا التوقيت تحديداً، بعد إسقاط تركيا لطائرة «السوخوي» الروسية، والتوتر بين الجانبين في أعقابه.
ولفهم دلالات الإعلان الاسرائيلي عن الخرق والتشديد على عدم اعتراضه، يجب العودة إلى خلفية تل أبيب في الحرص على عدم استفزاز الروسي وعدم التسبب في الاحتكاك به، وهو خيار بادرت اليه إسرائيل في أعقاب التدخل العسكري الروسي المباشر في الساحة السورية.
رأت إسرائيل في الوجود العسكري الروسي عامل قوة مستجداً لمحور المقاومة في سوريا، وهو يتعارض الى حدّ كبير جداً مع المصلحة الاسرائيلية، لكن من دون القدرة على الحؤول دونه أو عرقلة أهدافه بقدرات إسرائيل الذاتية، وفي الوقت نفسه رأت أن ضعف المحور الاميركي ــ التركي ــ الأطلسي، غير قادر على منع هذه الخطوة.
قراءة إسرائيل للمستجد الروسي، دفعتها الى محاولة الحد من التهديدات، وتخفيض سقف أهدافه في سوريا، عبر اعتماد سياسة «التفاهم» على خطوات جرى توصيفها بالتنسيق لمنع التصادم مع الروس في الاجواء السورية؛ بمعنى أن للروسي أهدافاً في سوريا يمتنع الاسرائيلي عن التدخل فيها ولا يعمل على عرقلتها، مقابل عدم تدخل موسكو في مساعي تل أبيب لدى استهدافها عناصر القوة لحزب الله، في الساحة السورية.
راهن الإسرائيلي على إمكان نجاح هذه «المعادلة»، رغم أنها تحقق أدنى مصالحه، وقد يكون محقاً. الروسي لا يتعامل معه على أنه عدو، رغم أنّه غير حليف في أهدافه في سوريا. في الوقت نفسه، لا ينظر الاسرائيلي الى الروسي على أنه عدو، مع أنه (الروسي) صديق وحليف موضوعي وغير موضوعي مع أعداء إسرائيل في الساحة السورية.
من هنا، وتحت هذا العنوان العام، تأتي خطوة إسرائيل في المسارعة الى الاعلان عن خرق سلاح الجو الروسي لأجوائها من دون معارضة منها، الأمر الذي من شأنه، بحسب منطلقات إسرائيل، تعزيز المعادلة التي تطمح اليها في الساحة السورية، ما قد يساهم في تعزيز امكانات مواصلة اعتداءاتها بما لا يتعارض مع الاهداف الروسية في سوريا، وتحديداً ضد ما يقال عن السلاح النوعي لحزب الله المنقول من سوريا وعبرها الى لبنان، ولعل هذا أهم ما دفع يعلون الى إعلانه الصريح، مع التشديد على عدم الاعتراض، عن خرق روسي للمجال الجوي الاسرائيلي.