يحسب للمجموعات المسلحة والجهادية، على اختلاف تصنيفاتها ومرجعياتها، نجاحها خلال السنوات الخمس الماضية في تأسيس شبكات مالية كبيرة، ساعدتها على توسيع رقعة وجودها الجغرافي، والمحافظة على تدفق مالي، استطاعت من خلاله تجنيد آلاف المقاتلين في صفوفها.
فمن المثير للاهتمام أن ينجح تنظيم «داعش» مثلاً، وبفضل إغراءاته المالية، في تجنيد مقاتلين له في مناطق بعيدة عن «عاصمة خلافته»، ويواظب على تسليمهم رواتبهم وتعويضاتهم المالية، متغلباً بذلك على خاصية البعد الجغرافي، وعزلة بعض مؤيديه في مناطق معينة. وهذا أيضاً ما ينطبق على عمل باقي المجموعات المسلحة ذات الثقل الأساسي في الحرب السورية.
كذلك فإن محدودية التمويل الذاتي إلى إجمالي إنفاق المجموعات المسلحة، يكشف عن تمويل خارجي يتدفق عبر قنوات متعددة، لا تزال بعيدة عن الضوء.
وعلى ذلك، فإنه يمكن التمييز بين نوعين من الشبكات المالية الخاصة بالمجموعات المسلحة؛ داخلية مهمتها إيصال المبالغ المالية المخصصة للإنفاق على تشكيلاتها وعناصرها، وتحصيل الإيرادات المتأتية من الأنشطة المختلفة. وبحسب الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور زياد أيوب عربش، فإنه يجب «علينا التمييز بين هذه المجموعات، فهناك الكبيرة منها والصغيرة، وأحياناً هناك مجموعات صغيرة تتبع بشكل مباشر وغير مباشر للمجموعات الكبيرة». ويحصر في حديثه إلى «الأخبار» مصادر تمويل المجموعات المسلحة بعشرة بنود هي «التبرعات الفردية الداخلية والخارجية، والأتاوات، والرسوم والخوات بما فيها رسوم العبور مع تركيا مثلاً ورسوم داخلية، وبيع المسروقات والتجهيزات والسلاح والاثاث وغيرها، وبيع المحاصيل من النفط إلى القمح، والمواد المسطو عليها، والضرائب والرسوم المفروضة على السكان والتجار والصناعيين، والاتجار بالمحرمات والممنوعات، وبيع المساعدات المسروقة أو المجانية التي تتحصل عليها، وتمويل مجموعات خارجية داعمة، تعمل تحت تسميات وأجندات مختلفة، وأخيراً هناك التمويل الدولي، وأعتقد أنه ليس فقط خليجياً».
تقوم الشبكة المالية الداخلية على أشخاص موزعين على مختلف المناطق السورية، يمكن تسميتهم بالمعتمدين الماليين، ويتواصلون في ما بينهم وفق نظام «التراتبية الجغرافية» أو «الخلايا العنقودية»، حيث يتلقون الأموال وينقلونها إلى مقصدها بشكل شخصي، الأمر الذي أغرى البعض من هؤلاء المعتمدين بالسطو أو الاختلاس أو التلاعب بالأموال التي في حوزتهم، وبدا هذا جلياً مع حالات الثراء المفاجئ التي حلّت بشريحة من المسلحين، وفرار شريحة أخرى بأموال كبيرة إلى دول الجوار، تماماً كما حصل في هيئات «المعارضة الخارجية» من سرقة للمساعدات والتلاعب بقيمها، ولا سيما أن التقديرات الإحصائية المستقلة تشير إلى أن إنفاق المجموعات المسلحة، لنهاية عام 2015، تجاوز نحو 6 مليارات دولار، توزعت كما يعتقد الدكتور عربش على «الآلة الحربية، كشراء العتاد، وأجور ورواتب وشراء الولاءات، ونفقات إدارية بما فيها نفقات لوجستية للمعسكرات، والمحروقات والمواد الأساسية، واستيراد السيارات والبضائع، خاصة من الجانب التركي، والشحن والنقل والاتصالات».
قنوات تمويل خارجية متعددة لا تزال بعيدة عن الضوء


الحضور الخارجي

أما النوع الثاني من شبكات المسلحين والجهاديين المالية، فهي شبكات خارجية، تتولى نقل التمويل المقدم من جهات خارجية عديدة إلى الداخل السوري، والذي للأسف تراجع الحديث عنه مع التركيز الإقليمي والدولي على سرقة تنظيم «داعش» وغيره من التنظيمات المسلحة للنفط السوري والمتاجرة به، وتالياً التغطية على المموّلين الخارجيين الأساسيين للتنظيمات المسلحة والجهادية، بمختلف تصنيفاتها وأشكالها.
تختلف تقديرات الباحثين ودراساتهم حول النسبة التي يشكلها التمويل الخارجي من إجمالي التمويل العام للتنظيمات المسلحة، إذ وفق ما خلصت إليه دراسة أجراها الباحث عمر عبد العزيز الحلاج لحجم الإنفاق المدني لتنظيم «داعش»، من قبيل الخدمات والنفقات الثابتة والجارية، وذلك من خلال مقارنة الخدمات المقدمة من قبله مع مستوى الإنفاق الحكومي في تلك المناطق خلال عام 2010، ومقارنة ذلك مع الموارد المتوقعة من عائدات النفط، عبر دراسة سلسلة القيم لإنتاج ومبيع النفط والآثار المهربة، فقد تبيّن أن هناك فجوة بين العائدات والنفقات، لا يمكن تبريرها إلا إذا كان «داعش» يتلقى على الأقل ضعفي موارده المحلية من الخارج. وبحسب ما أكده الباحث الحلاج لـ«الأخبار» فإن «العائدات الخارجية قد تصل إلى ما بين 80 إلى100 مليون دولار»، مشيراً إلى أنه لا يعرف تماماً كيف يصل المال ليد تنظيم «داعش»، «فأنا لم أقرأ أي شيء مقنع حتى الآن».
وهذا أيضاً هو رأي الدكتور عربش، لكنه يعتقد أن التمويل الخارجي يمكن أن يمرّ عبر «عدة قنوات أبرزها: حاملو الشنطة القادمين من دول كالسعودية والأردن، قنوات مصرفية خليجية تتولى نقل الدعم السعودي والقطري المعلن تحت يافطة دعم المعارضة المعتدلة، والتحويلات المالية المباشرة وغير المباشرة، التي تتم تحت تسميات مختلفة، وبعض المنظمات التي يتستّر عملها بغطاء إنساني».
وفي هذا السياق، ينشط أشخاص كثر في الدول المجاورة لسوريا، ومن جنسيات مختلفة، لمتابعة إيصال المبالغ المتحصل عليها من جهات مختلفة، إلى قيادات المجموعات المسلحة والجهادية في سوريا، مقابل حصولهم على عمولات معينة، مشكلين بذلك شبكات داعمة للشبكات المالية بنوعيها الداخلي والخارجي. ولذلك فإنه ليس من السهولة تفكيك هذه الشبكات بين ليلة وضحاها، خاصة في ظل حلقاتها المتشعبة، والفئات الكثيرة المستفيدة منها.