5 سنوات على الجرح السوري: «الربيع» الذي استحال كابوساً
مع دخول «الأزمة السوريّة» عامها السادس، احتفظَت جبهة الشمال بصفة أعقد الجبهات على الإطلاق بفعل عواملَ عدّة، من بينها تشابك المصالح الإقليمية والدولية حيناً، وتقاطعها حيناً آخر، إضافةً إلى استمرار «النفوذ الجهادي». تحوّلات كبيرة طاولَت الشمال، سواء لجهة نجاح الجيش السوري وحلفائه في فك حصار نبّل والزهراء وتقدّمهم المتسارع في ريف حلب الشمالي، أو لجهة تزايد نفوذ «الوحدات» الكرديّة بعد تطعيمها ببعض المكوّنات الأخرى تحت مسمّى «قوّات سوريا الديمقراطيّة». ولطالما شكّلت المجموعات الكرديّة المسلّحة عامل تعقيد إضافياً، خاصةً في ظل التحولات التي طرأت بين وقت وآخر على الأداء السياسي الكردي، والذي انعكس بطبيعة الحال على المشهد الميداني، وتطوّر تحالفاته. في الشهور الأخيرة، انفردَت «قسد» بكونِها الطرف القادر على تنسيق تحرّكاته العسكريّة مع كلّ من روسيا والولايات المتّحدة (وعبرَها مع التحالف الدّولي). البُعد العشائري الذي يسودُ الشمال الشرقي (الرقة، الحسكة، دير الزور) يُعدّ بدوره عاملاً إضافيّاً في التعقيد، خاصةً أنّ تحالفات العشائر وولاءاتها مرشّحة دائماً للتبدّل. اتساع الحدود مع الأتراك يبدو عاملاً أساسيّاً في تطورات الجبهة، وبات من المعلوم أنّ للحكومة التركيّة أجندة خاصةً بها تطمحُ إلى توجيه مسارات الحرب وفقاً لبوصلتها، وهي أجندة تنفرد بحيثيات مختلفة عن الأجندة الدوليّة بالعموم، على الرغم من تداخل الاثنتين في تفاصيل وأهداف عدّة. ثمّة تناسب بين خصوصية الجبهة الشماليّة وبين كونها مسرح التدخل المباشر لـ«غارات التحالف». وتجدرُ الإشارة إلى أنّ الجبهة الشماليّة تضمّ في واقع الحال ستّ محافظات من أصل الأربع عشرة محافظةً سوريّة، مع الأخذ في الاعتبار أنّ ريف دير الزور يمتدّ إلى وسط سوريا (بحساب خطوط العرض) والمحافظات هي: حلب، إدلب، الرّقة، دير الزور، الحسكة، علاوةً على الريف الشمالي لمحافظة اللاذقية، (الذي بقي وحده في منأى عن غارات التحالف)، خلافاً للغارات الروسيّة التي شملَت معظم الجغرافيا السوريّة، مع تركيزٍ خاص على الشمال.

«الجهاديون» بيضة القبّان

كثيرة هي المجموعات المسلّحة في الشمال السوري. وباستثناء «حركة نور الدين زنكي» وبعض «الألوية التركمانيّة»، فإنّ الفاعلية القتالية الحقيقيّة تكاد تكون محصورةً بالمجموعات «الجهاديّة». الأخيرة، حافَظت على حضورها في الشمال بالعموم، وتحاول التمسك بوجودها في حلب على وجه الخصوص، وأبرزها:
ــ تنظيم «الدولة الإسلاميّة ــ داعش»، رغم الانحسار الكبير لنفوذه، لكنّه ما زال ممسكاً بأجزاء واسعة من محافظة الرقة إضافة إلى معظم محافظة دير الزور، ويواصل مساعيه للتمدّد في ريف الحسكة. ورغم تضاؤل مساحات سيطرته في الريف الحلبي، لكنّه حافظَ على وجود قويّ في الريف الشرقي على وجه الخصوص، يسهم في ذلك قرب هذه المناطق من معقله في الرقّة.
ــ «جبهة النصرة» (الفرع السوري لتنظيم القاعدة): تبسط سيطرتها على مساحات واسعة من محافظة إدلب، متحالفة مع مكوّنات «جيش الفتح»، ومتنافسةً معها على النفوذ في الوقت ذاته! كذلك، يتوزّع مقاتلو «النصرة» في ريف حلب على جبهات عدّة، خاصّة في ريفها الغربي. كذلك يحضرون على جبهة المخابرات الجويّة (جمعيّة الزهراء)، ويحافظون على تمركزات في أحياء سليمان الحلبي، كرم الطرّاب، بستان القصر، باب النيرب، الصاخور، الحيدرية، وبعض أحياء حلب القديمة.
ــ «حركة أحرار الشام الإسلامية»: رغم كل محاولات الإيحاء بـ«تغيير نهجها»، تبقى «أحرار الشام» واحدةً من أبرز المجموعات «الجهاديّة». تتبنّى فكراً تتمازج فيه أيديولوجيات «القاعدة» و«السلفيّة الجهادية» و«الإخوان المسلمين». نشأت في ريف محافظة إدلب، وما زال خزّانها البشري الأبرز. ويُعتبر وجودها هناك واحداً من عوائق انفراد «النصرة» بالمحافظة. ورغم أن الطرفين كانا قريبين مرات عدة من التحول نحو الاحتراب، غيرَ أنّ الاشتباكات التي دارت بين بعض مكوناتهما غير مرّة لم تتطوّر، وما زالت «قيادات» الطرفين والجهات الداعمة لهما قادرةً على احتواء الوضع، وتأجيل الاحتراب الذي لا يُستبعدُ تفجّره حالَ وجود قرار إقليمي. لـ«الحركة» وجود أيضاً في ريف حلب (الشمالي على وجه الخصوص)، كما في ريف حماة، وتحتفظُ بـ«خلايا نائمة» في محافظة الرقة. يتراوح عديد مسلحيها في الشمال بالعموم بين 9 و10 آلاف. أبرز محطّات «الحركة» كانت مقتل مؤسّسها حسان عبود وعدد كبير من قيادييها في أيلول 2014. («الأخبار»، العدد 2397)، لتصبحَ بعدَها أكثر قرباً من الأتراك. خلال العام الأخير حاولت الظهور في صورة «الفصيل المُعتدل»، وخاصّة عبر «المكتب السياسي» الذي يضطلع به لبيب نحّاس. لكنّ الوزن «الجهادي» داخل صفوف «الحركة» العسكريّة أطاح محاولات نحّاس، وحال بينه وبين لعب دور فاعل في «الهيئة العليا للتفاوض» كما كان يأمل، وأدام في الوقت نفسه الهيمنةَ التركيّة على «الحركة» («الأخبار»، العدد 2763). حظيت «الحركة» طوال الوقت بدعم من الأتراك والقطريين (ماليّاً، وعسكرياً، ولوجيستياً، وحتى «إغاثياً»)، وعبر قنوات عدّة أبرزها «جمعية قطر الخيرية» و«صندوق الإغاثة والمساعدات الإنسانية»، وهي منظمة مجتمع مدني مرتبطة بالحكومة التركية. كذلك حظيت بتمويل «الهيئة الشعبية الكويتية» التي يتزعمها الشيخ الكويتي حجّاج العجمي.
ــ «الحزب الإسلامي التركستاني»: الانضواء في صفوفه متاحٌ لـ«الجهاديين» الأويغور دون سواهم. وينحدر هؤلاء من إقليم شينغيانغ، غربي الصين (التسمية المُعتمدة لدى «الحزب» وداعميه هي «تركستان»). أسّسه أبو محمد التركستاني (حسن مخدوم، 1964 ــ 2003) أواخر تسعينيّات القرن الماضي، ويُنادي بالانفصال عن الصين. منذ مطلع عام 2013 شكّل «الحزب» فرعاً له باسم «الحزب الإسلامي التركستاني لنصرة أهل الشام» (تم تغييره لاحقاً إلى «الحزب الإسلامي التركستاني في بلاد الشام»). شارك مقاتلوه في معارك عدّة تحت راية «جبهة النصرة» حيناً، وراية «أحرار الشام الإسلاميّة» حيناً، و«جيش الفتح» إبّان معارك إدلب («الأخبار»، العدد 2593). لعب دوراً أساسيّاً في سيطرة «الفتح» على مدينتي إدلب، وجسر الشغور. شارك عدد من مقاتليه في محاولات «داعش» السيطرة على خناصر في شباط الماضي («الأخبار»، العدد 2820). الدعم التركي له بلا حدود، ومن اللّافت أنّ السلطات الصينيّة بدأت منذ عام 2014 تخفيف القيود المفروضة على منح جوازات سفر للأويغور، بالتزامن مع ازدياد أعداد الملتحقين منهم بالجبهات في سوريا. يحضر مقاتلوه في الدرجة الأولى في مناطق إدلب حيث احتلّت عائلاتهم قرى بأكملها («الأخبار»، العدد 2773). كذلك يلعب دورَ «خط الدفاع الأوّل في مناطق الغاب». أعلنته موسكو تنظيماً محظوراً منذ عام 2006. تنظر بكين إليه باعتباره «حركةً إرهابيّة انفصاليّة». أعلنته الإدارة الأميركية عام 2009 جماعة إرهابية وأدرجته الأمم المتحدة على قائمات المنظمات الإرهابية بعد هجمات الحادي عشر من أيلول 2001.
الفاعلية تكاد تكون محصورةً بالمجموعات «الجهاديّة»

ــ «جبهة أنصار الدين»: وفَدت إلى المشهد في تموز 2014 («الأخبار»، العدد 2354) عبر اندماج أربع مجموعات «قاعديّة» هي: «حركة شام الإسلام»، «حركة فجر الشام الاسلامية»، «جيش المهاجرين والأنصار»، و«الكتيبة الخضراء». قبل أن يخرج «جيش المهاجرين والأنصار» من عباءتها ليعلن «مبايعة النصرة» بشكل مباشر، وتتشظّى «الكتيبة الخضراء» بين «النصرة» و«داعش».
ينتشر مسلحو «أنصار الدين» في ريف حلب بالدرجة الأولى (حريتان، دارة عزّة، كفر حمرة، معارة الأرتيق). وهي مشاركٌ شبه دائم في معارك جمعية الزهراء وفرع المخابرات الجوية. كذلك تحتفظ بتمركزات في مدينة حلب عبر «حركة فجر الشام»، أبرزها في حيّي السكري والمرجة، وبوجود في ريف إدلب عبر «حركة شام الإسلام» بعد انسحاب معظم من تبقّى من مقاتليها من اللاذقية.

مجموعات و«ألوية» صغيرة

تنتشر في ريفي حلب وإدلب مجموعات و«ألوية جهاديّة» صغيرة، يحتفظ بعضُها بـ«بيعات» سرّية لجماعات أكبر.
ــ «لواء التوبة»: في الفترة الأخيرة، ذاع صيتُ اللواء الذي يتمركز في ريف حلب الجنوبي، وساند «داعش» في هجومه الأخير على خناصر. كان «التوبة» مبايعاً في وقت سابق لـ«جيش المهاجرين والأنصار» قبل أن تروّجَ أنباء عن ارتباطه بـ«بيعة» سرّية لـ«داعش»، ويتعرّض لحملات دهم من «النصرة». إثر الحملة، وصل معظم عناصر «التوبة» إلى مناطق نفوذ «داعش» و«بايعوه» علناً.
ــ تنظيم «جند الأقصى»، كان حتى وقت قريب إحدى الجماعات الفاعلة، قبل أن يتشظّى معظم مقاتليه ما بين «داعش» و«النصرة». ويحاول جزء منهم الحفاظ على «راية التنظيم»، وإعادة ترميم صفوفه. محافظة إدلب هي معقل هؤلاء.
كذلك، ثمّة جماعات قوقازيّة عدّة كانت تنشط بشكل أساسي في ريف اللاذقية الشمالي، قبل أن تنتقل تدريجيّاً إلى محافظة إدلب على وقع التقدم المستمر للجيش السوري وحلفائه في ريف اللاذقية، ومنها: «أجناد القوقاز»، يشغل عبد الحكيم الشيشاني (34 عاماً) منصب «الأمير العام»، و«جماعة جند الشام»، يشغل مسلم الشيشاني (مراد مارقشفيلي، ويكنّى بـ أبو الوليد) منصب «الأمير العام».