سومر حاتم«في الطريق إلى حلب يرسم الجيش السوري إنجازاً تلو آخر». هكذا علقت «الجزيرة» على خبر سيطرة الجيش قبل أيامٍ على مدينة السفيرة، البوابة الشرقية لمدينة حلب. قبلها بأيام، استعاد الجيش السوري مدينة خناصر المجاورة، الاستراتيجية هي الأخرى. كانت هذه المعركة السادسة التي يخوضها عناصر الجيش، في عام واحد، لاستعادة المدينة التي تُعَدّ المدخل الوحيد المتاح حالياً لمدينة حلب. ضابط ميداني شارك في المعارك الخمس السابقة، قال ممازحاً قبل أيام من المعركة الأخيرة: «سنتفق مع المسلحين على التناوب على خناصر، لتكون شهراً معنا وشهراً معهم، حتى نتجنب الخسائر».

وأضاف حانقاً: «غالباً ما يهاجمون حواجزنا بأعداد كبيرة، ويسقط في صفوفهم الكثير من القتلى، لكنهم يدركون جيداً مدى أهمية هذه المدينة وينتحرون في سبيل السيطرة عليها». منذ استعاد الجيش السوري السيطرة على القصير، في ريف حمص، في حزيران الماضي، ثارت التكهنات عن موعد بدء «معركة حلب الكبرى». ضُربت مواعيد لذلك، ورُسمت في وسائل الإعلام خطط عسكرية، لكن «المعركة الكبرى» لم تندلع. غير أنّ الجيش السوري، في «الطريق إلى حلب»، استعاد كلاً من العزيزية والسفيرة وقبلهما خناصر، بعيداً عن ممارسة الحرب النفسية الاستباقية التي ربما انقلبت عليه في المرات السابقة. اللاذقية ــــ حلب طريق اللاذقية ــــ حلب الرئيسية مغلقة عند منطقة سلمى (ريف اللاذقية الشمالي) بسبب خروج المنطقة وما حولها عن سيطرة الدولة السورية. على الخريطة ثلاث دوائر حمراء تشير إلى كلٍّ من طرطوس وحمص وحماه، المحافظات الثلاث التي ستمر بها قبل أن تصل إلى مقصدك؛ إذ إنّ الوصول إلى حلب حالياً، يكون عبر الالتفاف عبر طريق حماه، على بعد 400 كلم من طرطوس تقريباً، وما يزيد على 600 كلم إذا اتجهت إليها من دمشق. في الطريق إلى حمص، تُسمع أصداء المعارك التي تدور في قريتي الحصن والزارة (ريف حمص) بين الجيش السوري ومسلحي «جبهة النصرة». لكن القريتين بعيدتان نسبياً عن الأوتوستراد، ما يبعد الخطر عن المارين. بعدها تلوح مصفاة حمص، معلنة الوصول إلى المدينة التي لم تعد تشكّل عائقاً أمنياً بعدما كانت، قبل عامٍ فقط، المدينة الأكثر إثارة للرعب.
في دير بعلبة، شمال شرق حمص، لا يشعرك خلو المنطقة من المدنيين بخوفٍ كبير. مشهد البيوت التي سُوّيت بالأرض والشوارع المغلقة وبقايا العبارات التي خُطت على الجدران وحواجز الجيش السوري بات مألوفاً. تتجاوزها ببضعة كيلومترات لتصل إلى بلدة المشرفة التي تستهدفها المجموعات المسلحة دائماً بسبب تنوعها الطائفي، وبسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي. بعد المشرفة، تصل إلى سلمية. المدينة لا تزال تعيش هاجس الهجوم عليها من محاور عدة، بعدما تعرّضت لأقسى التفجيرات الانتحارية. بعدها، ستملأ خزان سيارتك بالبنزين؛ فقد لا تجد محطة للوقود على طول الطريق الصحراوي المتجه إلى الرقة (200 كلم). في هذا الطريق الذي لم يعبد منذ فترة طويلة يقلّ عدد السيارات حتى لا يبقى سوى الشاحنات وبعض الأغنام على طرفيها. بهذا تكون قد وصلت إلى بلدة صبورة، السند الوحيد للجيش السوري في الريف الشرقي لحماه. بعدها تمتلئ الطريق بالحافلات المحترقة التي نالت حصتها من استهداف المسلحين على مدى أشهر. الطريق بين السعن وأثريا عند منطقة وادي العزيب هي ذروة الخطر المحتمل، فالجسر الذي فجره مسلحو «جبهة النصرة» سيعلن بدء رحلة العبوات الناسفة المزروعة حتى الوصول إلى حلب، فاستراتيجية تفخيخ الطرق هي التي عرقلت تقدم الجيش السوري في المنطقة الصحراوية الشاسعة.

فيزا إلى الرقة

في أثريا، تكون على بعد 140 كيلومتراً من الرقة التي تصل منها أخبار الفتاوى ومشاهد الذبح. لكن الحافلات القادمة منها والمتجهة إليها كثيرة، من دون تعقيدات مرورية. وحدها حركة من يد جندي على آخر نقطة للجيش تشير للحافلة بالتقدم هي فيزا الدخول إلى الرقة الخارجة تماماً عن سيطرة الدولة السورية والخاضعة لسيطرة «الدولة الاسلامية في العراق والشام». لكن القصد طريق حلب لا الرقة. في الطريق من خناصر إلى السفيرة تكاد تغيب آثار الطريق المعبّد بعدما «فلحتها» العبوات الناسفة التي بقي عناصر الجيش أياماً يعملون على تفكيكها وتفجيرها. بعد العبور إلى خناصر، تلوح البيوت القببية التي تعكس بيئة المكان، إضافةً إلى بحيرة الملح التي جفت حتى بقي الملح وسط رمال الصحراء، مشهد يطغى عليه اللون الأبيض قبل دخول السفيرة المحررة. سكان المدينة الذين يزيد عددهم على مئة وعشرين ألف نسمة، يحتفلون من مكان نزوحهم في بلدة الواحة، التي تفصل المدينة عن مدينة حلب، باستعادة الجيش لمدينتهم الأم. يتحدث محمد (اسم مستعار)، أحد الناجين من السفيرة، عن عناصر الجماعات الإسلامية الذين كانوا يدهمون المحالّ التجارية للتأكد من التزامها قرار تحريم بيع السجائر. «التجوال ليلاً كان أيضاً من الممنوعات». فيما يروي عبد الله، الذي يعمل خيّاطاً، كيف أُجبر على حياكة ملابس للمسلحين «على الطريقة الأفغانية». وقد منع المسلحون قبل اندحارهم وصول أي شاحنات غذائية إلى المدينة، وضربوا العديد منها وتركوها شاهدة على حصار سكان المنطقة. فيما سمحوا فقط بدخول المساعدات القادمة من السعودية، في إطار «حملة السعودية لدعم الشعب السوري»، إضافةً إلى المنتجات التركية. سكّة حلب لم تعد مقطوعة، كما تقول الأغنية التي راجت أخيراً. الأمان في الطريق إلى الشهباء أعاد نوعاً من الطمأنينة للمواطنين، الذين لم يتوقفوا عن سلوكها. حتى إن العودة في المساء لم تعد تتطلب سوى القليل من الشجاعة. غير أن عاصمة الشمال السوري لا تزال في حاجة إلى كثير من العمل الميداني لإعادة فتح ما بقي من طرق، في انتظار فتح طرق سياسية تبعد الخطر القادم من خلف الحدود.