في ظلّ المبادرة الروسية لاحتواء مسألة التهديد الأميركي بشنّ عدوان على سوريا، عملت تل أبيب على وضع الحدث السوري في السياق الإيراني، إذ نقلت صحيفة «معاريف» عن مسؤولين رفيعي المستوى، في تل أبيب، تقديرها بأن ما جرى يشكّل «رسالة للأسياد في إيران» كونه «يُثبت فقط ماذا يمكن أن يحصل في حال كان التلويح بالخيار العسكري يتمتع بالصدقية». وتؤكد الجهات نفسها أنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يرى أنّه كما تراجعت سوريا ووافقت على التنازل عن مخزون الأسلحة الكيميائية، في ظل تهديد عسكري أميركي يتمتع بصدقية، بهدف قطع الطريق على الهجوم الأميركي عليها، فإن تهديداً مماثلاً، يتمتع بالصدقية، يمكنه أن يدفع إيران إلى وقف برنامجها النووي والموافقة على مطالب الغرب. في موازاة ذلك، ذكرت صحيفة «معاريف»، نقلاً عن محافل رفيعة أيضاً، أن ما يهم رئيس الوزراء هو أن يرى هجوماً أميركياً في سوريا كي يُعيد الصدقية والردع الأميركيين إلى الشرق الأوسط، وبالتالي توجيه رسالة من خلال ذلك إلى إيران وإلى المنظمات المتطرفة كحزب الله. وتضيف الصحيفة إنّه في حال كانت الصفقة الروسية _ السورية تتمتع بصدقية فعلية، فإنها تخدم أيضاً رؤية نتنياهو حول كيفية الطريقة التي يمكن من خلالها إيقاف البرنامج النووي الإيراني. في السياق نفسه، رأى الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز أنّه لا يمكن الوثوق بالسوريين، ولا بد من توفير ضمانات دولية لتنفيذ اقتراح كهذا.
ونتيجة المخاوف الإسرائيلية من تفاصيل الصفقة التي قد تكون مقلقة ومخيبة، نقل موقع «واللا» العبري، عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله إنّه «ينبغي أن يدرس الاقتراح بعناية، وصولاً إلى أصغر التفاصيل فيه». وأضاف إنّ على المجتمع الدولي أن يوجه ثلاثة أسئلة حول الاقتراح الروسي، الأول، من هي الجهة التي ستشرف على نقل السلاح الكيميائي إلى سلطة الإشراف الدولي. والثاني، يرتبط بالجداول الزمنية لتحقيق ذلك، وهل سيتم القيام بشيء ما في حال انتهاء المدة؟ والثالث يتركز حول ما إذا كانت عملية النقل والإشراف ستتم بشفافية، أو أنّ العالم سيكتفي بكلمة ووعود من الرئيس بشار الأسد؟ ورفض المسؤول الإسرائيلي القول ما إذا كان الحل الدبلوماسي الذي اقترحته روسيا إيجابياً بالنسبة إلى إسرائيل أو لا.
من جهة أخرى، كان لرئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، ورئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، موقفه المعلن من الاقتراح الروسي، إذ اعتبر، في خلال مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، أنّه «ليست واضحة تفاصيل المبادرة الروسية تجاه الأسلحة الكيميائية، وما إذا كان سيتم تسليمها ونقلها إلى المجتمع الدولي أو أنها ستبقى في سوريا تحت رقابة دولية». وأضاف إنّه «يجب على إسرائيل البقاء على الحياد وعدم التدخل في ما يدور في سوريا»، داعياً «الحكومة إلى عدم دعم أي موقف تجاه سوريا». مع ذلك، توجه ليبرمان إلى الرئيس الأسد بالقول إنّ عليه أن يدرك ومقربيه أنهم سيصبحون هدفاً شرعياً إن «جروا إسرائيل إلى الصراع».
خمس نقاط سورية للسير في المبادرة
في المقابل، نقل مراسل صحيفة «يديعوت أحرونوت» في واشنطن، أورلي أزولاي، عما وصفه مصادر مقربة للنظام السوري، قولها في جلسة مغلقة، إنها حدّدت خمس نقاط تتصل بالمبادرة الروسية للحلّ الذي سينهي الأزمة بين واشنطن ودمشق، يتضمن التزاماً أميركياً هو الأول من نوعه، بمنع أي هجوم إسرائيلي على الأراضي السورية، وبأن تتنازل سوريا عن ثلاثة مخازن من أسلحتها الكيميائية، على أن يتم وضع المواقع الأخرى تحت رقابة دولية يكون فيها المراقبون من روسيا والصين. وأضاف أزولاي إنّ المطلب الآخر يتمثل باستبدال الصواريخ بغاز السارين، من أجل تعويض سوريا، بحيث يقوم الروس بتزويدها بصواريخ «آس 300»، التي تعتبر خطاً أحمر من ناحية إسرائيل باعتباره سلاحاً «كاسراً للتوازن»، وبأن تمتنع الولايات المتحدة عن إطلاق التصريحات والتهديدات تجاه سوريا، أضف إلى اعتبار الاتفاق ملغى في حال مهاجمة إسرائيل لسوريا.

بوتين والأسد يكسبان

في السياق، رأى المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أنه بالرغم من الشكوك الكبيرة التي تظهرها واشنطن تجاه المبادرة الروسية، يمكن القول إنّه «بدأت صياغة حل للأزمة». وأضاف إنّه في حال إحراز تسوية آخر الأمر، يحق للرئيس بشار الأسد أن يراها إنجازاً ليس فقط لأن الولايات المتحدة لم تهاجمه، ولم يُظهر الذعر إزاء تهديدات أقوى قوة عسكرية في العالم، بل لأن التحالف الدولي الذي يدعمه من روسيا والصين وإيران وحزب الله، استعرض قوته طوال الأزمة.
ورأى هرئيل أنّ للرئيس الأميركي باراك أوباما الكثير مما يربح من هذه القضية أيضاً، لأنه لا يزال من الصعب عليه حتى الآن أن يجنّد دعماً كافياً في مجلس النواب لعملية عسكرية في سوريا. وفي حال نجاح الحل الروسي سيكون هناك من يزعم بأن كل شيء تم التخطيط له مسبقاً، وقد هدف إلى انتزاع تنازل كبير من الأسد من دون مهاجمة سوريا بالفعل. لكن النظر في أعمال الرئيس وتصريحاته في الأسابيع الأخيرة تقود، بحسب هرئيل، إلى استنتاج مختلف، وخاصة أنه ووزير خارجيته بدوَا متلوّيين ومرتجلين أكثر من مرة.
ورأى هرئيل أنّ روسيا ستكون، بالطبع، الأولى في قائمة الرابحين باعتبارها كبحت العملية الأميركية وأنقذت الرئيس الأسد، وفككت لغماً ضخماً كان يمكن أن ينشئ فوضى عامة.
إلى ذلك، رأى دان مرغليت في صحيفة «إسرائيل اليوم»، أنّ للمهزلة التي أشعلت كل الشرق الأوسط، وما وراءه، أكثر من وجهين بل وحتى ثلاثة. الأول، أن محور الشر وثق بتهديدات الرئيس الأميركي باراك أوباما، لجهة أنّه ليس لديه خيار إلا مهاجمة الأسد. ولفت إلى أنّه في حال توفر آلية لإخراج الأسلحة الكيميائية من سوريا سيكون ذلك تغييراً استراتيجياً في وضع النظام السوري. وبالتالي يستطيع أوباما الادعاء بأنه حقق إنجازاً هاماً من دون أن يطلق صاروخ توماهوك واحداً. الوجه الآخر، ينطوي على أن مكانة الرئيس فلاديمير بوتين قد تعززت، ويمكنه الادعاء بأنه لا يوجد اتفاق في الشرق الأوسط من دونه. وبالرغم من أنّ الرئيس الاسد فقد سلاحاً استراتيجياً، إلا أن الاتفاق يمنح التدخل الروسي والإيراني في الحرب الدائرة في سوريا شرعية، ويكشف بأن إسقاط الأسد ليس قريباً. وفي ضوء التردد الذي أظهره أوباما مقابل سوريا، ليس لدى النظام الإيراني ما يقلقه. والوجه الثالث، دائماً تقديري، إذ في اللحظة التي يتراجع فيها التوتر ستبدأ المماطلة، وسيقلص السوريون بمساعدة الروس الرقابة ولن يكون هناك رقابة فعلية. كما سيخفي السوريون جزءاً من أسلحتهم الكيميائية أو سيحاولون نقلها إلى حزب الله. والولايات المتحدة ستعتاد الوضع الجديد.