ريف دمشق | لم يكن قرار الهجوم على مدينة معلولا الأثرية قراراً مرتجلاً من الفصائل الغازية، إذ يتضح اليوم أن الهجوم ناجم عن قرار مدروس من جانب المعارضة المسلّحة، لتحقيق جملة من الأهداف السياسية والعسكرية، أبرزها: تحقيق انتصار معنوي بعد سلسلة الضربات التي تلقّتها في ريف دمشق. ما يؤكد هذا الرأي أن الفصائل المعارضة المسلحة بعد دخولها إلى مدينة معلولا يوم الأربعاء الفائت، وبعد تحليق طائرات الجيش فوق المدينة، أعلنت انسحابها منها للحفاظ على أوابد المدينة ومبانيها الأثرية. إلا أنها عادت يوم الجمعة إلى احتلال المدينة من جديد، بعدما استطاعت استدراج وحدات من الجيش السوري كانت على مقربة من المدينة. ويقدر الأهالي عدد المسلحين الذين عاودوا دخول المدينة بـ 2000 مسلّح، تمّ إمدادهم بـ 1000 مسلّح آخر من المدن المجاورة في ساعات الدخول الثاني إلى المدينة، وبحوزتهم أكثر من 12 سيارة «دوشكا».
أي أن ما جرى في معلولا كان كميناً بكل ما للكلمة من معنى، جرى خلاله الضغط على الجيش السوري، ومساومته للحفاظ على مكانة المدينة الأثرية والتاريخية مقابل القبول بـ«الهزيمة».

القصّة بكاملها

فجر الأربعاء الماضي، قامت «حركة أحرار الشام» و«كتائب صقور الشام»، إضافة إلى كتيبة تابعة لـ«الجيش الحر» بتفجير حاجز التينة عند مدخل المدينة، بواسطة انتحاري، قتل خلاله 12 جندياً من الجيش السوري، تمّ التمثيل بجثثهم وفصل رؤوسهم عن أجسادهم، ثم دخل المسلّحون إلى المدينة، وانتشروا فيها.
أرسل الجيش السوري طائرات حلّقت فوق المدينة، ما أدى إلى انسحاب المسلّحين يوم الخميس إلى الجبال المحيطة، بحجّة الحفاظ على المدينة من الدمار، بحسب مصادر من المعارضة المسلحة، لكنهم في الوقت نفسه أمطروا المدينة بقذائف الهاون، وأصابوا كنيسة مار الياس الراعي الأثرية، وتضرّرت أجزاء منها.
بالتزامن مع ذلك، وصلت وحدات من الجيش السوري إلى المدينة، وخاضت مواجهات مع الفصائل المسلّحة على أطراف المدينة وفي داخلها، استمرت لساعات، وتمكّن الجيش مساء الجمعة من السيطرة على معظم المدينة، وبقيت أطرافها الشمالية تحت سيطرة المسلّحين. لكن تبيّن للجيش عند دخول المدينة انتشار قناصة تابعين للمعارضة المسلّحة، في المناطق المرتفعة في أطراف المدينة، إضافة إلى وصول تعزيزات كبيرة للمسلّحين من المناطق المجاورة للمدينة، ما أدى إلى انسحاب الجيش إلى أطرافها الجنوبية.
عاود المسّلحون احتلال المدينة مساء السبت، مستفيدين من استبعاد الجيش للسلاح الثقيل حفاظاً على المدينة، الذي لم يستخدم إلا في ضرب فندق السفير (يقع على طرف المدينة) حيث تقع غرفة عمليات المسلحين ويتمركز قنّاصتهم، فجرى ضربه بالمدفعيّة والقذائف بشكل متواصل، وقدرت أعداد القتلى بـ 25 من الجيش، وعشرين قتيلاً من المدنيين، بالإضافة إلى أعداد غير محصورة من المخطوفين، وتمكّن الجيش من تأمين خروج معظم الأهالي، ولم يبق في المدينة إلا بعض الشباب والشيوخ الذين رفضوا الخروج.
أم حنّا، السيدة الستينية من معلولا، التي كانت قد وصلت إلى باب شرقي في دمشق، وبقي زوجها هناك، تقول لـ«الأخبار»: «أعلمنا الجيش بأن مجزرة قد وقعت بحق بعض أهالي معلولا على أيدي جبهة النصرة، ولم نعلم من هم الضحايا حتى الآن». تسيل دمعة على خد أم حنّا وتضيف: «يتجنّب الجميع، من الكنيسة وحتى صفحات الفايسبوك، الحديث عن المجزرة، كي لا ينتشر الذعر بيننا، لكون الضحايا لا يزالون مجهولين».
وفيما يواصل سلاح الجو ضرب خطوط الإمداد للمسلّحين، شمال المدينة وشرقها، لا تزال معلولا بأيدي المسلّحين حتّى اللحظة، وقد أكّد مصدر عسكري، رفض ذكر اسمه، لـ«الأخبار»: «إمكانية القيام بعملية خاطفة لاستعادة المدينة خلال يومين، بأقل الخسائر الماديّة والبشرية، ينفذها الجيش بمساندة حوالى 600 شاب متطوع من معلولا وباب توما في دمشق، وعين التينة المجاورة لمعلولا».

الريف الشرقي ونقاط الاستعصاء

تعود المواجهات إلى مسارها السابق، أي إلى ما قبل إطلاق الجيش عملية «درع العاصمة»، حيث تغدو المعارك أشبه بالمراوحة في المكان، وتبدأ نقاط الاستعصاء بالتشكّل من جديد، إلى الحد الذي يفرّغ فيه أي انتصار، في هذه المنطقة أو تلك، من مضمونه العسكري، ويقتصر على جانبه السياسي والإعلامي فقط، فالتقدم في هذه المنطقة يرافقه تراجع في أخرى، وهكذا ...
ففي مقابل التقدم الذي حقّقه الجيش، في بداية الحملة، بشكل سريع وخاطف في مناطق الريف الأقرب إلى المدينة، مثل: جوبر، برزة، المليحة والقابون ... تنشأ جبهات قتال شرسة في الدائرة الأبعد عن دمشق. ففي زملكا، لا تزال المواجهات مستمرّة في نهاية المتحلق الجنوبي للسيطرة على المدينة منذ قرابة عشرة أيام، وتشهد الأحياء القديمة في حي جوبر، التي تقع في العمق منه، حالة مماثلة. وتتعرّض تجمعات المعارضة المسلّحة في بساتين حي برزة لقصف مدفعي متواصل.
ويستهدف الجيش تجمعات المسلّحين في أكثر من منطقة في آن واحد في الغوطة الشرقية، على شكل قوس في جوبر _ حرستا _ القابون، بصليات من قذائف المدفعية بما يمنع انتقال المسلحين من منطقة إلى أخرى، بحسب مصادر من الجيش، فيما تمكّن الجيش من بسط سيطرته بالكامل على بلدة دير السلمان في الغوطة الشرقية.
إلى جنوب العاصمة، يعود مخيّم اليرموك إلى حالته السابقة، حيث تنتشر في حاراته المتداخلة كتائب «متنوعة» من المعارضة المسلحة، «أكثرها من جبهة النصرة» يقول م. شهابي (38 عاماً، من مقاتلي الجبهة الشعبية _ القيادة العامة). ويروي لـ«الأخبار»: «دخل الجيش في بداية الحملة من جهة القدم (غربي المخيم) إلى نهاية شارع الثلاثين، وبداية الحجر الأسود، في حين دخلت وحدات أخرى من الجيش من جهة يلدا وببيلا جنوب المخيم». وبعد انتهاء العملية، عاد المسلّحون إلى التغلغل في شوارع المخيم حتى وصلوا إلى (ساحة الريجة) في شارع اليرموك، وهي الساحة الفاصلة سابقاً بينهم وبين الجيش. ويضيف محمود: «يتعامل الجيش بدقة في ما يتعلّق بالمخيم، كون الموضوع حساساً بالمعنى السياسي، وكون مهمة الدفاع عن المخيّم يفترض أن تقع على عاتق الفصائل الفلسطينية، بحسب الاتفاقات المبرمة بين الأخيرة والحكومة السورية». ويجري استهداف مواقع المعارضة المسلّحة في حجيرة، والحسينية، والذيابية، والسيدة زينب، ضمن عملية عسكرية يشنها الجيش في تلك المدن، القريبة بعضها من بعض جغرافياً، جنوبي العاصمة.
ولا يزال استهداف مواقع المعارضة المسلّحة مستمراً في المعضمية وداريّا، في الغوطة الغربية، فيما تمكن الجيش من قتل 10 مسلّحين وتدمير آلياتهم في بلدة (المقيليبة) قرب الكسوة جنوبي غربي دمشق.