خلال انعقاد مؤتمر «مجموعة العشرين» في سان بطرسبرغ، كانت اندفاعة الرئيس الأميركي باراك أوباما لتنفيذ الضربة في أوجها، ولكن بعد انفضاضه ذهبت الأمور لتعقيدات مركبة. وهذه الأجواء المستجدة، عكستها تفاصيل محادثة جرت نهاية نهاية الأسبوع الماضي بين شخصية دبلوماسية عربية مخضرمة والمبعوث الأممي والعربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، الذي أكد أنّ احتمال حصول الضربة الأميركية لسوريا انخفض الآن لأقل من خمسين في المئة، ويعود ذلك لأسباب كثيرة. وتكشف الشخصية الدبلوماسية، نقلاً عن بيئة الإبراهيمي وأجواء متصلة بمهمته في مجلس الأمن، أنّ الأسباب التي قادت إلى تدني احتمالات توجيه الضربة الأميركية، عديدة وتعاظمت بسرعة، وفي ما يأتي بعض منها وليس كلها أو حتى أبرزها:
السبب الأول يتمثل بتصاعد عملية الضغط الداخلي الأميركي ضدها، وتتمايز فعاليته من أنه بدا منذ لحظته الأولى منظماً وقادراً على التأثير، نظراً إلى أن الجهة الأساسية التي بادرت الى تنظيمه هي الكنيسة الكاثوليكية في أميركا. ويلاحظ أن كرادلتها ومؤسساتها المختلفة نشطت خلال الأيام الأخيرة بالتقاطع مع نشاط الفاتيكان الأممي، لتأطير حراك شعبي على مستوى كل الولايات المتحدة الأميركية ضد ضربة أوباما لسوريا. كذلك فإنها توجه ضغوطاً للتأثير على الكونغرس للتصويت ضد طلب أوباما.
وثمة توقع في أميركا أن يتسع نطاق المعارضة الداخلية الشعبية ضد الحرب على سوريا، وسيصبح أوسع نطاقاً وأكثر تسارعاً في حال حدوثها، نظراً - أولاً - إلى أن مناهضتها منقادة منذ البداية من مؤسسات أميركية قادرة، أبرزها الكنيسة الكاثوليكية التي تعاظم تأثيرها داخل المجتمع الأميركي. وثانياً، لأن الحراك الشعبي الأميركي المعارض، ينطلق من بيئة نفسية شعبية مواتية مسكونة بعقدتي أفغانستان والعراق.
ولا تزال هاتان العقدتان حيّتين داخل الانطباع الشعبي العام الأميركي، ولا سيما أنّ أوباما نفسه أدى دوراً كبيراً في تغذيتهما داخله.
السبب الثاني لا يقل أهمية عن الأول، وفي إطار عرضه يكشف الإبراهيمي تفاصيل عن اتصالات مهمة جرت في الأيام الأولى من اعلان أوباما نيته توجيه الضربة. ومفاده أنّه حينما كان أوباما خلال الأيام التي أعقبت ٢١ آب (قصف الغوطة) وسبقت عقد «مؤتمر العشرين»، في عز اندفاعته لتسويق ضرب سوريا، طرأ على الموقف الروسي بعض التريث في ابداء رد الفعل، وذلك لمصلحة ميل موسكو لإعطاء أولوية لتدارس كيفية احتواء الضربة التي باتت محققة الحصول من وجهة نظره، بدل مواجهتها. وكان رأي موسكو إمساك النفس عن توسيع الرد على الضربة الأميركية طوال ٤٨ ساعة منذ بدئها.
وكان هذا الميل الروسي الذي ظل في مرحلة الاستطلاع مع حلفاء دمشق، يتلاقى من دون تنسيق أو تواصل مباشر، في مكان ما، مع مسعى واشنطن إلى إنجاز ما سمته مصادر في الخارجية الفرنسية «فض اشتباك مسبق مع كل من إيران وروسيا»، يهدف إلى منع حصول انعكاسات خطرة على الأمنين الاقليمي والدولي للضربة الأميركية.
وبحسب هذه المعلومات، فإن روسيا فاتحت إيران بفكرة احتواء الـ٤٨ ساعة من بدء الضربة من دون توسيع الرد عليها، لكن طهران تحفظت عليها، مشيرة إلى أن أي ضربة ستحدث سواء استمرت لساعات أو لأيام، ستعتبر عدواناً مع ما يستتبع ذلك من فتح واسع لمظلة احتمالات انعكاساتها الخطرة على الأمن في المنطقة كلها.
وتسجل المصادر عينها أنّه بعد الموقف الإيراني، تغيّر مسار الموقف الروسي لمصلحة إبداء اندفاعة نحو تعزيز إمكانات النظام السوري وحلفائه الجيوسياسيين المباشرين للمواجهة والتصدي.
وتكشف هذه المصادر عن أن روسيا أبدت استعدادها لتعويض الجيش السوري كل الخسائر التي سيُمنى بها على مستوى العتاد خلال الضربة الأميركية. كذلك كشفت عن أن إحدى البوارج الروسية التي قطعت البوسفور أخيراً، حملت مدرعات للجيش السوري.
السبب الثالث الذي عقّد أمور إنضاج الضربة الأميركية، تعزوه هذه المصادر إلى تأكد الاستخبارات الأميركية من وجود ترسانة صواريخ مذهلة متأهبة لضرب المصالح الأميركية ونقاطها الموجعة في المنطقة؛ إضافة إلى تأكدها من أنّ الروس أنجزوا الى حدّ بعيد درعاً صاروخية مضادة للصواريخ تحيط بدمشق. ولكن