خلال الساعات الأخيرة، وبازاء الصمت السائد بين رئيسي الولايات المتحدة باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين في قمة العشرين، التي بدأت أمس في سان بطرسبرغ، نشطت أوساط في الاتحاد الأوروبي مع شخصيات قريبة من دمشق، باتجاه محاولة تحريك مستنقع الركود الدبلوماسي القائم بشأن الأزمة السورية. والهدف من ذلك جس نبض امكانية تحقيق معجزة في اللحظة الأخيرة تؤدي إلى وقف مسار اقتراب الضربة الأميركية لسوريا من ساعة الصفر، التي تجزم المعلومات المؤكدة أنّ موعدها سيكون حتماً بعد انعقاد الدورة ٦٧ للجمعية العامة في ١٦ أيلول الجاري.
وبحسب معلومات «الأخبار»، فإنّ قنوات حوار لشخصيات سورية قريبة من النظام مع مسؤولين كبار في الاتحاد الأوروبي، وأيضاً مع الخارجية البريطانية، كانت مفتوحة بالأساس قبل اعلان أوباما نيّته شنّ عدوان على سوريا، استكملت نشاطها خلال الساعات الثماني والأربعين الأخيرة. وقد خلصت إلى ما يشبه الفشل وإلى نتيجة وحيدة، وهي أنّ الحرب أصبحت قدراً في خيارات أوباما، وأيضاً في خيارات الرئيس بشار الأسد.
تضيف هذه المعلومات أنّ كلّاً من بريطانيا والاتحاد الأوروبي قدّم إلى المتواصلين معه ما سماه «اقتراح اللحظة الأخيرة» الذي يشكّل مخرجاً وحيداً لتلافي الحرب في حال وافق عليه الأسد. كذلك تمّ عرضه بوصفه الصيغة الوحيدة التي يمكن أن يقبل بها أوباما للتراجع عن قراره بشن ضربة عسكرية ضد سوريا. ومفاد هذا الاقتراح أنّ يقوم الأسد بتوجيه خطاب إلى الشعب السوري يعلن فيه أنه غير مرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في العام ٢٠١٤.
وبحسب هذه المعلومات، فإنّ الاتحاد الأوروبي كمؤسسة هو ضد الحرب، إضافة إلى دول عدة فيه، وبخاصة ألمانيا. وهو يرغب ببذل جهود لإيقافها، ولكنه يصطدم بأنّ سقف ما تقبله واشنطن لإنجاح مسعى اللحظة الأخيرة، منخفض جداً. أما بريطانيا فموقفها هو تقديم كل الدعم السياسي لقرار أوباما بشن الحرب، مع التأكيد على أنّ قرار عدم مشاركتها بها، هو قرار نهائي ولا عودة عنه. وتجزم لندن أنّ مجلس العموم البريطاني سيكرر رفضه اعطاء تفويض للحكومة للاشتراك في الحرب في حال عاود الانعقاد للبت في هذا الأمر مرة جديدة.
باريس: استمرار الاندفاعة العدوانية
أما في فرنسا فلا تزال الاندفاعة لتأييد حرب أوباما ضد سوريا على أوجّها، ولكن المصادر الدبلوماسية لفتت إلى أنّ نقاشاً متصاعداً يجري داخل دوائر الاستخبارات الفرنسية بخصوص أن باريس تصادف حالة غير مسبوقة في سوريا، إذا إنها قبل أن تبدأ حربها هناك تصطدم بأنّه يوجد لديها العديد من المفقودين لم يعلن عنهم، ما سيجعل مصيرهم عند اعلان باريس بدء حربها على سوريا محل قلق بالغ. وكشفت هذه المصادر أنّ رئيس الاستخبارات الفرنسية الجديد برنار باجوليه (كان في السابق مستشاراً أمنيا للرئيس نيكولا ساركوزي) كان منخرطاً عشية اعلان أوباما وهولاند نيتهما شن عدوان على سوريا، في جهد بعيد عن الاضواء مع دمشق، لاطلاق أربعة فرنسيين مفقودين في سوريا؛ اثنان منهما في منطقة الرقة مع «القاعدة» والاثنان الآخران في منطقة مارع، ولم تحدد الجهة التي اختطفتهما. والأربعة هم من عملاء جهازه. ويضاف إلى هؤلاء العديد من الصحافيين الذين انقطعت أخبارهم من بينهم ديدييه فرانسوا الذي خطف مع صحافي آخر اسمه أدوا أليس من أصل لبناني (٢٢ سنة).
ويوجد الآن في الأردن نحو ٥٠٠ جندي من القوات الخاصة الفرنسية التابعة لوحدة اسمها اللواء الأجنبي أو «ليجيون أرانجي»، ومعظمهم من غير الفرنسيين، في حين الضباط هم فرنسيون حصراً. ولا تشكل هذه القوة العسكرية الفرنسية (بالإضافة لسرب الطائرات - ٢٤ طائرة موجودة في تبوك وبعض السفن في شرق المتوسط) أكثر من ٥ بالمئة من مجمل القدرة العسكرية التي جرى تحضيرها في الأردن في الفترة الماضية، لكي تشارك في عمليات إضاءة الأهداف داخل الأراضي السورية لحظة بدء حملة القصف الاستراتيجية، حيث إن القصف عبر الأقمار الاصطناعية قد يتعرض للتشويش، إضافة لإمكانية أن تتعرض طائرات التوجيه الاستطلاعية من دون طيار للخطف على مثال ما كان حصل لطائرات الاستطلاع الأميركية من دون طيار فوق إيران التي أسرها الإيرانيون. لكن الملف السوري تصدر مباحثات قادة مجموعة العشرين على مائدة العشاء التي أقامها على شرفهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سان بطرسبرغ مساء أمس.
وقال عقب العشاء رئيس الوزراء الإيطالي، انريكو ليتا، في تغريدة على «تويتر»، إنّ «عشاء قمة العشرين يؤكد الانقسام بشأن سوريا»، مشيراً إلى عدم تحقق أي اختراق.
وقبل ذلك، وخلال لقائه رئيس الوزراء الياباني، قال الرئيس الأميركي إنّ قادة العالم اجمع «يتفقون على أن استخدام السلاح الكيميائي في سوريا ليس مأساة فحسب، لكنه انتهاك للقانون الدولي ينبغي تسويتها».
بدوره، أعرب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أنّ «قمة مجموعة العشرين هذه يهيمن عليها ما يجري على المستوى الدولي، وبالتالي الأزمة السورية».
من جهة أخرى، التقى مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي، الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على هامش القمة، وقال: «وصلت الأزمة السورية إلى مستوى من الخطر والاضطراب... والكثير من التهديدات للشعب السوري أولاً وللمنطقة وللعالم لدرجة أن رأى الأمين العام (للأمم المتحدة) أنها ربما تكون من القضايا التي نناقشها إما خلال المؤتمر أو على هامشه».
بدوره، أشار بان إلى أنّ «الموقف الحالي الذي تسببت فيه مزاعم استخدام أسلحة كيميائية والوضع الانساني المتدهور في سوريا يستلزمان بشكل عاجل من كل الزعماء التركيز على الإرادة السياسية لمعالجة هذه الأزمة».
وكانت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سامنثا باور اتهمت روسيا بأنها تتّخذ مجلس الأمن «رهينة» بسبب «الحماية» التي توفرها «لنظام شنّ بكل وقاحة الهجوم الكيميائي الأكثر خطورة منذ ربع قرن». تصريحات باور لم تمنع رئيسها، وزير الخارجية جون كيري، من المبادرة إلى الاتصال بنظيره الروسي سيرغي لافروف، الذي أكد على ضرورة طرح نتائج تحقيق خبراء الأمم المتحدة في استخدام السلاح الكيميائي في سوريا على مجلس الأمن لاتخاذ أي قرارات لاحقة، مشدّداً على «أننا نرفض استخدام القوة التفافاً على هذه الآلية».
وفي مؤشر بالغ الدلالة على نوايا أوباما، أعلن رسمياً أنه قرر الغاء زيارة كانت مقررة إلى كاليفورنيا مطلع الأسبوع المقبل فهو «سيبقى في واشنطن للعمل على قرار بشأن سوريا (مقدم) إلى الكونغرس». في السياق، صرح المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الأميركية، جورج ليتل، أنّه لا خطط لتدريب المعارضة السورية المسلحة، مشيراً إلى أن الخيار العسكري مطروح لحل الأزمة السورية. وأضاف «إننا لا ننكر وجود متطرفين وليس لدينا معلومات كافية حول المعارضة المسلحة في سوريا»، مؤكداً أنّ «الضربة العسكرية ستكون فورية إذا طلبها أوباما».
كذلك، رفضت وزارة الخارجية الأميركية، على لسان المتحدثة باسم الوزارة جين ساكي، اتهام بوتين لوزير الخارجية جون كيري بالكذب على الكونغرس بخصوص دور «القاعدة» في سوريا، ووصفت هذه التصريحات بأنها مجافية للعقل.
إلى ذلك، أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أنّ لديه أدلة جديدة حول استخدام أسلحة كيميائية في سوريا، وذلك من خلال فحص عينات أخذت من مكان الهجوم في مختبر بورتون داون في انكلترا.
في وقت أعرب رئيس ديوان الرئاسة الروسية، سيرغي ايفانوف، عن استغرابه من تصريحات وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل، التي زعم فيها أن روسيا ورّدت السلاح الكيميائي الى سوريا، واصفاً إياها بأنها «هراء يتخطى حدود ما هو معقول».