منذ بداية التلويح بقرار يجيز هجوماً على سوريا، عبّر بعض النواب الأميركيين عن قلقهم من توسّع الضربة «المحدودة» وتحولها الى «تدخل بري» واسع يتطلب إرسال قوات عسكرية أميركية الى أرض المعركة. بعد جلستي النقاش في لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، ازدادت المخاوف بشأن ذلك، وخصوصاً أن كلام وزير الخارجية جون كيري لم يكن واضحاً بما يكفي لحسم مسألة التدخل البري.
فخلال إحدى جلستي «لجنة الشؤون الخارجية» في الكونغرس، سأل رئيس اللجنة السيناتور بوب مينينديز كيري على نحو مباشر: «هل ستقبل الإدارة بنداً يمنع إرسال قوات عسكرية الى سوريا؟»، وهنا كانت المفاجأة، إذ أجاب كيري أنه «يفضّل عدم منع استخدام القوات البرية في سوريا للحفاظ على خيارات الرئيس باراك أوباما إذا انهارت سوريا، أو اذا برز خطر حصول المتطرفين على أسلحة كيميائية». وقال: «لا أريد أن أسحب عن الطاولة خياراً قد يكون أو لا يكون متاحاً لرئيس الولايات المتحدة للحفاظ على أمن بلادنا».
لكن عندما قال السيناتور الجمهوري روبرت كروكر لكيري إنه «لم يجد الإجابة مناسبة بخصوص إرسال قوات أميركية على الأرض»، تراجع كيري سريعاً عما أعلنه قبل دقائق وقال: «ببساطة أنا أفكّر بصوت عال». وأضاف: «دعونا نغلق الباب الآن... الجواب هو أنه لن يكون هناك قوات برية أميركية على الأرض في ما يتعلق بالحرب الأهلية».
لكنّ بعض الصحافيين توقفوا عند هذا التناقض في كلام كيري، وأبدوا مخاوفهم من «أمر تخفيه الادارة الاميركية في خطتها تجاه سوريا»، في ما يتعلق بتوسيع نطاق الهجوم والوصول الى مرحلة تدخل برّي وإرسال جنود أميركيين على الأراضي السورية.
تناقض آخر وقع فيه كيري عندما أكد خلال إحدى جلسات الاستماع أن «نفوذ جماعات المعارضة السورية المعتدلة في تزايد»، علماً أن تقديرات مصادر الاستخبارات الاميركية والاوروبية وخبراء المنظمات غير الحكومية تقول إن «الإسلاميين المتطرفين ما زالوا يمثلون أقوى فصائل مقاتلي المعارضة وأكثرهم تنظيماً وقدرة».
وفي إطار مسعى كيري لاقناع المشرعين الاميركيين بخطة الرئيس الاميركي لضرب سوريا، قال وزير الخارجية إن «المعارضة المسلحة في سوريا باتت تتصف على نحو متزايد باعتدالها واتساع نطاق عضويتها والتزامها بقدر من العملية الديمقراطية ودستور يشمل كل الاطياف ويحمي الاقليات». وأضاف كيري مطمئِناً إن «المعارضة السورية تكتسب قوة يوماً بعد يوم».
وترى مصادر استخبارات أميركية ودول متحالفة مع واشنطن وخبراء في الصراع السوري أن تقويم كيري «متفائل». هؤلاء يقولون إنه «على الرغم من أن عدد الاسلاميين المتشددين بين صفوف المعارضة قد لا يكون أكبر من المقاتلين المعتدلين، فإن جماعات إسلامية مثل جبهة النصرة هي الافضل تنظيما وتسليحاً وتدريباً».
وفي اليومين الأخيرين، اختلفت تصريحات كيري عن النبرة التي تبنّتها إدارة أوباما، والتي ظلت لأكثر من عامين تخشى إرسال أسلحة إلى مقاتلي المعارضة «خوفاً من سقوطها في ايدي جماعات متطرفة».
يذكر أنه في تموز الماضي، أعلن نائب مدير استخبارات الدفاع ديفيد شيد أن «هناك على الاقل 1200 جماعة لمقاتلي المعارضة في سوريا، وأن الاسلاميين المتطرفين، وخاصةً جبهة النصرة، قادرون على توسيع نفوذهم على نحو سريع».
وقال شيد عن جماعات المعارضة إنها «اذا تُركت من دون رقابة فهناك خشية من أن تستولي العناصر الأكثر تشدداً على قطاعات كبيرة». وأشار شيد الى ان الصراع «قد يطول ويمتد على أشهر كثيرة، وربما سنوات عديدة»، مضيفاً إن طول أمد الازمة قد «يجعل أجزاءً من سوريا تقع تحت سيطرة مقاتلين متشددين». وتقول مصادر استخبارية أميركية وفي الدول الحليفة لها إن هذا التقويم «لم يتغير».
من جهتها، صرّحت متحدثة باسم الخارجية الأميركية بأن تصريحات كيري «تعكس موقف الوزارة»، وأن المعارضة السورية «اتخذت خطوات خلال الاشهر الماضية للاندماج، بما في ذلك انتخاب زعماء».
وفي إحدى جلسات الكونغرس، عارض النائب الجمهوري مايكل مكول، تقويم كيري. وقال لكيري «من هم مقاتلو المعارضة؟ من هم؟ أطرح هذا السؤال طوال الوقت، وفي كل مرة أتلقى فيها إفادة في هذا الصدد يزداد الموقف سوءاً، لان غالبية قوات المعارضة الآن، وأشدد على كلمة الغالبية هم إسلاميون متشددون يتدفقون من كل أنحاء العالم».
وهنا ردّ كيري «لا أتفق معك على أن الاغلبية تنتمي إلى القاعدة. هذا ليس صحيحاً. هناك نحو 70 ألفا إلى مئة ألف معارض... ربما 15 الى 25 في المئة منهم ينتمون الى جماعة أو أخرى من تلك التي نصِمها بالشر».
واستطرد كيري «هناك معارضة معتدلة بالفعل، واللواء سليم ادريس يقود جناحها العسكري»، مشيرا الى رئيس أركان «الجيش السوري الحر». وأردف أن «السعودية ودولا خليجية أخرى تقدم دعماً متزايداً للمعارضة من خلال ادريس».
وقدّم أخيراً مسؤولون أميركيون في الاستخبارات والجيش الأميركي تقويماً قاتماً عن قوة مقاتلي المعارضة السورية المعتدلين والمتطرفين.
وفي رسالة بتاريخ 19 آب حذّر الجنرال مارتن ديمبسي رئيس الاركان الاميركية المشتركة من أن «الموقف في سوريا ليس اختياراً بين جانبين، بل اختيار طرف من بين أطراف عديدة». وأضاف «أعتقد أن الجانب الذي نختاره يجب ان يكون مستعدا لتعزيز مصالحه ومصالحنا حين يتغير الميزان لمصلحته. لكن هذا غير وارد الان».
وقال مسؤول أمني أوروبي ذو خبرة في المنطقة إن الفصائل المتطرفة «قوية جداً ومنظمة جيداً في شمال وغرب سوريا، وإنها تدير خدمات عامة وتحاول اقامة دولة اسلامية صغيرة على حدود العراق».
وأضاف المسؤول إن فصائل معارضة «أكثر اعتدالا» تهيمن على شرق سوريا وعلى حدود البلاد الجنوبية مع الاردن «لكنها تحولت بدرجة كبيرة الى عصابات ينصبّ الاهتمام الأكبر لقادتها على إدارة شبكات محلية وإثراء أنفسهم».
(الأخبار، رويترز)