اللاذقية | لا بيئة حاضنة لمسلحي المعارضة على طول الشريط الساحلي، إنما قرروا أن «يحرروا» الساحل السوري من «المغتصب الغاشم». مسلحو «جبهة النصرة» و«دولة العراق والشام الإسلامية» وباقي الكتائب المسلحة سمّوا معركتهم «معركة أحفاد عائشة أم المؤمنين».
معركة وُصفت عسكرياً بالانتحارية؛ إذ لم تأتِ بهدف التحرير فعلاً، بل جاءت محققة لهدف واحد، هو تكبيد الجيش بعض الخسائر ليؤول الوضع إلى إبادة سريعة للمسلحين، بعد اشتباكات عنيفة، حسمتها سرعة تدخل سلاح الجو لإصابة أهداف محددة، ما أوقف هجوم المسلحين، رغم اعتمادهم عنصر المفاجأة والصدمة.
لم يستوعب أحدٌ الأمر، مع العلم أن تقارير رصد المعلومات رُفعت منذ أيام إلى الجهات المختصة عن الإعداد للعملية، وتذكر بدقة احتمال شنّ هجوم من قبل المسلحين بالتزامن مع ليلة القدر، حسبما علمت «الأخبار»، وذلك مع الإشارة إلى أعداد المسلحين ومحاور الهجوم المتوقعة وبالتوقيت التفصيلي. أهالي المدينة خشوا تكرار سيناريوات المحافظات الأُخرى؛ إذ تجلّى الرعب في عيون سكان اللاذقية من كثرة صيحات الوعيد التي يطلقها المسلّحون.
ساعات الفجر الأولى، أول من أمس، أذنت ببدء القصف على قرى كفرية، وتلّا، وبرمسة، وانباتة، وبيت الشكوحي «الموالية».
القصف المفاجئ أدى إلى حركة نزوح كبيرة لأهالي تلك القرى باتجاه المدينة، ما أوقع سريعاً معظمها بيد المسلحين. صفحات المعارضة على موقع التواصل الاجتماعي أفادت عن الاستيلاء على دبابتين للجيش السوري، بالإضافة إلى عدد من صواريخ «غراد».

مجزرة «الدخول»

ويروي أهل القرى الفظائع عن عائلات في الريف ذُبحت بتهمة موالاتها للدولة، منها عائلة العقيد المتقاعد يوسف قصيبي، الذي قضى بالإضافة إلى عائلته. وتحدثت مصادر عدة عن ذبح 136 فرداً معظمهم من النساء والاطفال، عند سيطرة المسلحين على عدة قرى قبل فرار معظم العائلات وتدخّل الجيش.
أعداد كبيرة من الفقودين لم يُعرف مصيرهم حتى اللحظة، فيما عُرف عن وقوع أعداد كبيرة من رهائن مدنيين وعسكريين في أيدي المسلحين، أبرزهم الشيخ بدر غزال من قرية تلّا، الذي ظهرت صورته وعلى ملابسه بقع من الدماء وعلى وجهه كدمات التعذيب.
في السياق، المراصد الثلاثة التي احتلها مسلحو المعارضة كانت مراصد انباتة وبارودة والحمبوشية، إلا أن الجيش السوري استطاع استعادتها جميعاً باستثناء الحمبوشية الذي استعيد بعدما أحرقه المسلحون كلياً. وذكر أحد العسكريين لـ«الأخبار» «وجود 12 شهيداً من الجيش واللجان الشعبية وأكثر من 60 جريحاً أُسعفوا على الفور في مستشفيات المدينة»، فيما أكّدت معلومات أُخرى أنّ الأعداد أكبر من ذلك. وتشير مصادر ميدانية إلى وقوع 400 قتيل في صفوف المسلحين. التعزيزات التي وصلت إلى الجيش السوري مكّنته من استعادة متأخرة لنقاط عدة كانت تقع تحت أيدي المسلحين.
الجيش استعاد القسم الأكبر من المناطق التي احتلّها المسلحون، بعد قتله 6 من كبار قيادات المسلحين، وعلى رأسهم قائد لواء التوحيد وقائد معركة تحرير الساحل قحطان حاج محمد. الاشتباكات استمرّت متقطعة لاحقاً في مناطق صلنفة والحفة وسلمى، حيث انسحب مسلحو المعارضة باتجاه سلمى التي شهدت ومحيطها قصفاً عنيفاً، بالإضافة إلى اشتعال حرائق ضخمة في ريف اللاذقية الشمالي. كذلك قصف الجيش إحداثيات لديه في منطقة السرايا، أدّت إلى إيقاع عدد غير معروف من القتلى كانوا يتمركزون ضمن مبنى حكومي. وتذكر بعض المعلومات أن المستشفيات الميدانية لم تتوقف عن العمل طوال الليلتين الماضيتين على طول الحدود التركية. وسجّلت استعادة قرية بيت الشكوحي من أيدي المسلحين بعد احتلالها، فيما انتقى سلاح الجوّ في سماء الريف أهدافه بدقة، والمعارك مستمرة بهدف استرداد جميع النقاط التي احتلت، وتأمين قوات الجيش المواقع المتمركز فيها.

وزير الدفاع في الخالدية

في سياق آخر، أكد وزير الدفاع السوري، العماد فهد جاسم الفريج، خلال تفقده وحدات للجيش السوري في حيّ الخالدية في مدينة حمص، أنّ «الجيش والدولة السورية ستنتصر على هذا الإرهاب المدعوم عالمياً، ومن أكثر من ثمانين دولة تصدره لنا». وأشار إلى «اعتزازه ببطولات أفراد الجيش، والشهداء الذين ضحوا بدمائهم في سبيل تحرير سوريا من المجرمين».
من ناحيته، قال رئيس الحكومة السورية، وائل الحلقي، لـقناة «الميادين»: «عرضنا بعض المقاتلين الأجانب المعتقلين لدينا على وفود أوروبية». وكشف أنّ الأجهزة الأمنية السورية ألقت القبض على «المجموعة التي اغتالت العلامة البوطي وحاولت اغتيالي وتعرض إعترافاتهم قريباً».
من جهة أخرى، ندّد «الائتلاف» المعارض بـ«العجز الدولي أمام استخدام نظام (الرئيس بشار) الأسد للسلاح الكيميائي»، داعياً «المجتمع الدولي إلى الوفاء بتعهداته المتعلقة برد قوي وجدي على النظام، ووضع حد لجرائمه».
ودعا «الائتلاف»، أيضاً، «لجنة التحقيق الدولية المعنية بالتحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية إلى دخول بلدة عدرا في ريف دمشق، والتحقق من استخدام النظام لغازات سامة ضد المدنيين فيها»، مؤكداً «استعداده للتعاون مع اللجنة في تأمين وجمع الأدلة المطلوبة في هذه المنطقة وغيرها من المناطق المستهدفة بالسلاح الكيميائي».
كذلك، أدانت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، أمس، «استخدام النظام السوري لصواريخ باليستية ضد مناطق آهلة فيها مقاتلون معارضون، أدّت إلى سقوط العديد من المدنيين بينهم أطفال، وذلك بعد التحقيق في تسعة صواريخ أطلقت بين شباط وتموز الماضيين».
من جهة أخرى، أعلن المكتب الصحفي للكرملين أنّ «الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ناقشا خلال مكالمة هاتفية الوضع في مصر والأزمة السورية».
في السياق، ذكرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، أنّ وزير الخارجية سيرغي لافروف أجرى مكالمة هاتفية مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، جرت خلالها «مناقشة قضايا التسوية السورية في سياق ضرورة عقد المؤتمر الدولي لهذا الغرض، الذي يراد منه أن يعطي انطلاقة للحوار الوطني السوري».
إلى ذلك، رأت وزارة الخارجية الفرنسي أن خطاب الرئيس بشار الأسد الأخير يظهر مجدداً «رغبته في مواصلة العنف».