السويداء | أول ما يستدعي الاهتمام هو تنوع التسميات التي تعمل تحتها اللجان؛ فجزء أساسي يعمل هذه الأيام تحت مسمى «جيش الدفاع الوطني» الذي يتحدث كثيرون عن تمويله من قبل رامي مخلوف، ابن خالة الرئيس السوري، وإن كان آخرون ينفون ذلك. إلى جانب هذه التسمية توجد تسميات عديدة مرتجلة للجان تتمتع باستقلالية شبه كاملة وصيغتها العامة هي «اللجنة الشعبية للدفاع عن...»، ويأتي بعدها اسم القرية أو الناحية. في المقابل، فإن لجاناً أخرى مسلحة لا توجد بشكل علني إلا أوقات التوتر، تلك هي اللجان التابعة للنائب اللبناني وئام وهاب، التي تم عزلها اجتماعياً في الشهرين الأخيرين بعد مواقف وهاب التي لا تتناسب مع الوضع المتوتر في المحافظة وحولها.يتركّز عمل اللجان في مساحتين أساسيتين ضمن المحافظة، الأولى هي المحاذية لمحافظة درعا حيث حصلت اشتباكات عدة خلال عمر الأزمة، إضافة إلى حوادث الخطف والخطف المضاد التي انتهت في عدد من الحالات إلى تدخل «العقلاء» في حلّها، والثانية في المنطقة الشمالية الشرقية من المحافظة والتابعة إدارياً إلى مدينة شهبا، حيث تقطن بعض القبائل البدوية التي انتسب جزء من شبابها إلى «الجيش الحر» وشنوا بعض الهجمات على القرى القريبة منهم أدت إلى وقوع ضحايا من المدنيين وإلى اختطاف آخرين.
وتتمثّل اللجان في أبناء القرى المهددة بالخطر والعاطلين من العمل في أغلب الأحيان، ولم يكن هؤلاء يتقاضون أجراً حتى بداية تشكيل «جيش الدفاع الوطني»، حيث بدأ جزء قليل منهم يتقاضون راتباً شهرياً يصل إلى خمسة عشر ألف ليرة سورية. وائل أ. أحد أعضاء اللجان، يقول لـ«الأخبار»: «انضممت إلى اللجان منذ أربعة أشهر ولم أتقاض حتى الآن أي أجر، لكن المسؤول عنّا وعدنا بأننا سنتقاضى أجورنا كاملة عن كل الأشهر التي عملنا فيها»، رافضاً الإفصاح عن الجهة أو الشخص المسؤول عن اللجنة التي يعمل ضمنها. وعطفاً على مسألة الأجور، فإن من المفارقات التي واجهناها خلال جولة في إحدى القرى المحاذية لدرعا حديث صاحب أحد محال البقوليات، حيث قال لـ«الأخبار»: «قبل حوالى سنة كان أفراد من الجيش الحر يأتون إلى محلي للتبضع، وانقطع قدومهم نهائياً قبل حوالى ستة أشهر، وقد أخبرني أحدهم في حينه أنه لم يتقاض راتبه منذ ثلاثة أشهر وأن جبهة النصرة معها (عملة خير الله) في حين أنهم في الجيش الحر لا يجدون ثمن الدخان».
وقد بدا مشتركاً بين معظم من سألناهم من أعضاء اللجان أنهم يرفضون حمل السلاح خارج مناطقهم، إذ يقول عماد ع.: «نحن حملنا السلاح لكي ندافع عن أهلنا وأرزاقنا، ولن نحمله خارج المحافظة، لأن تلك هي وظيفة الجيش العربي السوري الذي ندعمه بمجندي الإلزامي وبالاحتياط حين يطلب ذلك». ويتوافق رأي عماد مع المزاج العام في المحافظة، الذي عكسته تسريبات، لم يمكن التحقق من مدى صحتها، عن اجتماع أمني سري عقده المحافظ ورؤساء الأفرع الأمنية مع مشايخ السويداء في 30 أيار 2013، ليطلبوا خروج أفراد اللجان الشعبية للقتال خارج السويداء، والذي كان ردّ المشايخ عليه، وفقاً للتسريب، هو أنهم «ﺭﻓﻀوﺍ إﺭﺳﺎﻝ ﺷﺒﺎﺏ من ﺍﻟسويداء ﻟﻠﻘﺘﺎﻝ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻣﻨطﻘﺔ من ﺳوﺭيا ﺣﻔﺎظﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺴﻴﺞ ﺍﻷ‌ﻫﻠﻲ ﻭﺣﺴن ﺍﻟﺠوﺍﺭ»، وأنهم رأوا أن: «كل ﺷﺎﺏ من ﺷﺒﺎﺏ ﺍﻟﺴويداء من ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻤؤﺳﺴﺔ ﺍﻟﻌﺴكرﻳﺔ ﻭﺍﻷ‌ﻣﻨﻴﺔ ﻳﻘﺘل ﺧﺎﺭﺝ ﻧطاق ﺍﻟﺠﺒل لن ﻳجد من ﻳطﺎلب ﺑدﻣﻪ، ﻭﻟن ﺗﻘوﻡ ﻟﻪ ﺃي ﻣرﺍﺳم ﺟﻨﺎﺋزﻳﺔ». وما يجعل التسريب قابلاً للتصديق هو أن هذه الفتوى تتطابق من حيث المضمون مع فتوى أخرى معلنة أصدرها شيوخ في مدينة جرمانا في ريف دمشق، والتي يسكنها عدد كبير من أهل السويداء وتحسب على المناطق «الموالية».
في مقابل هذا النوع من اللجان، توجد بعض اللجان في أماكن من المحافظة لا مبرر لوجودها فيها، كتلك التي توجد أحياناً في قلب مدينة السويداء وفي نواح متعددة أخرى، والتي يشتكي الناس من تدخلها في قضايا الغاز والمازوت والخبز على نحو سلبي في كثير من الأحيان. يصف رائد ع.، وهو من سكان مدينة السويداء، عمل بعض اللجان بقوله: «مجموعة من العاطلين ومتخرّجي الحبوس تم تسليمهم السلاح وإعطاؤهم السلطة لكي يمارسوا تبطلهم على الناس، ويظهر ذلك بوضوح على الكازيات حيث يتلاعبون بالدور لمصلحة أقربائهم وأصدقائهم، هذا عدا عن كميات المازوت التي يأخذونها ويبيعونها لحسابهم الخاص بالاتفاق مع الأمن وأصحاب الكازيات».
ويرجع بعض المراقبين تفسير التباين ضمن اللجان الشعبية إلى تباين في أسباب وطريقة نشأتها وتكوينها؛ فنواة جزء من تلك اللجان كانت شباباً عاطلين من العمل وأصحاب سوابق شاركوا في قمع التظاهرات القليلة التي خرجت في بعض الأماكن في المحافظة، في حين أن جزءاً آخر من اللجان _ وهو الأكبر _ تشكّل في مرحلة لاحقة انتشر فيها العمل المسلح بشكل واسع، وذلك في محاولة لتأمين الحماية الذاتية بتشجيع من الأجهزة الأمنية وتحريضها.
وإن ارتباط اللجان عموماً بالأجهزة الأمنية هو أمر لا يمكن إنكاره، ولكن حدود هذا الارتباط تختلف من مكان إلى آخر ومن لجنة إلى أخرى ضمن المحافظة، فكلما كان الارتباط أقوى كانت درجة «التشبيح» أعلى وكان الخلو من مهمة حقيقية تؤديها أكبر، ولكن نتيجة للطابع الريفي في المحافظة ككل، ومعرفة الناس بعضهم بعضاً، فإن للمجتمع الأهلي سلطة تفوق سلطة الأمن في كثير من الحالات، بحيث يتم إيقاف المتجاوزين عند حدود معينة بضغط العائلات وتدخلها.
تعكس ظاهرة انتشار اللجان الشعبية، ليس في السويداء وحدها بل في العديد من المناطق السورية، التراجع الحاد في قدرة جهاز الدولة على تنظيم شؤون البلاد وحماية مواطنيها. وهو أمر طبيعي في ظل ما يجري ضد سوريا. ولكن في جانب آخر من الصورة، فإن أحد المطلعين على خفايا الملف السوري ينقل لـ«الأخبار» أن السبب الأكبر لانتشار هذه اللجان وتكاثرها يفسر بما هو أخطر... أي «الشركات الأمنية» التي حاول بعض «الحيتان» المعروفين إمرار قوانين ترخص وجودها وتملأ هياكلها بأعضاء من اللجان الشعبية لكي يضمن هؤلاء لأنفسهم قوة ضاربة ومرخصة وبحكم الأمر الواقع في المرحلة اللاحقة التي لن تكون لهم فيها السطوة الكافية على أجهزة الدولة في ظل التوافقات السياسية القادمة. ولكن المصدر المطلع، نفسه، ينقل لنا أن هذه المحاولة باءت بالفشل، وهي بالذات السبب الذي سرّع تشكيل ما يسمى «جيش الدفاع الوطني» الذي حاول تنظيم اللجان الشعبية ضمن إطار قانوني تابع للدولة. ورغم جميع سلبيات هذا «الجيش» الواضحة التي لا يمكن إنكار أي منها، إلا أن تشكله كمؤسسة هرمية تابعة للدولة يجعل من الممكن معالجة وضعه في مرحلة لاحقة بقرار سياسي.