حلب | مجزرة حقيقية تعرض لها مسلحو «الجيش الحر» في حلب خلال عملية «إعصار حلب» لتحرير المدينة من «بطش النظام الغاشم وحزب الشيطان والميليشيات الصفوية». «الإعصار» الذي انقلب نسمة صيفية حارة خلال ساعات قليلة صباح الخميس، حيث قتل أكثر من 130 مسلحاً، ما دفع مخطط الهجوم العقيد عبد الجبار العكيدي، رئيس المجلس العسكري الثوري لحلب وريفها، إلى الاستقالة من «مجلس القيادة العسكرية العليا لهيئة الأركان في الجيش السوري الحر»، الذي «سقط» في نظر «غالبية الثوار» في حلب وفق تعبيره.
في حين أُطلقت، من جهة أخرى، غزوة «القادسية» التي تهدف إلى تحرير الأحياء الغربية من المدينة، الأمر الذي قابله سكانها باستياء شديد، فحيث يحلّ المسلحون يحلّ الخراب.

إعصار صيفي

مضى يوم «الإعصار» كأي يوم عادي، رغم سقوط أكثر من 140 قذيفة على الأحياء المصنفة «آمنة». وما إن انتصف النهار حتى عادت الحياة إلى طبيعتها في تلك الأحياء، وكأن حلب قارة كبرى تبتلع الأحداث. جمع المسلحون جثث قتلاهم مع حلول الظلام وتواروا مجدداً بانتظار عملية جديدة. مصدر معارض قال لـ«الأخبار» إنّ «معظم القتلى سقطوا خلال ساعات قليلة صباح الخميس. العملية فاشلة بكل المقاييس، وهنالك عشرات الجرحى بحالة حرجة. عوامل كثيرة سبّبت الكارثة. الخيانة والاختراق الأمني من استخبارات النظام، وضعف التخطيط، وسيطرة قادة بلا خبرة عسكرية، ومعظمهم خدموا في الجيش كحجاب وسائقين ولديهم عقدة التسلط».
وأضاف المصدر أنّ «الدافع للعملية كان تخفيف الضغط عن الريف الشمالي والغربي بأي ثمن، وتحقيق أي إنجاز ولو سيطرة على جزء من حي، لكن دفاعات الجيش كانت أقوى مما تخيلنا».
وتركزت معظم الخسائر في ثلاثة محاور، هي محور الصاخور _ العرقوب، سليمان الحلبي، ومحور بستان الباشا _ الميدان، ومحور بني زيد _ الأشرفية، حيث سقط فيها أكثر من 100 قتيل.
فشل «إعصار حلب» رافقه فشل «الفتح المبين» في ريف إدلب، الذي تقول مصادر المعارضة إنه أكبر خسارة تتلقاها كتائب «أحرار الشام الإسلامية» منذ بداية الأزمة، حيث سقط خلالها نحو 200 قتيل وجريح. لم تكن العملية الفاشلة هي الأولى من نوعها في حلب. فعشرات العمليات الكبرى انتهت نهاية مأساوية لا يرد لها ذكر في وسائل الإعلام الداعمة للمسلحين، وكأن القتلى رجال آليون في لعبة إلكترونية. وبعد تلاشي «الإعصار» في الأحياء الشرقية والشمالية، روجت الجماعات المسلحة لقرب إطلاق عملية تحرير الأحياء الغربية من المدينة، التي انطلقت منها أرتال الجيش في الأسبوعين الأخيرين لتوسع نطاق السيطرة غرباً بعيداً عنها كيلومترات عدة.

القادسية

«إعصار حلب» أخمد وتحول إلى «غزوة» من الدرجة الثالثة. معركة تحرير أحياء حلب انحسرت في نسختها المعدلة باسم «القادسية» إلى تحرير الأحياء الغربية فقط الواقعة بعد المتحلق الغربي.
فور إطلاق العملية أعلنت الجماعات المسلحة سيطرتها على كامل حيّ الراشدين الذي طهّره الجيش منذ أسبوعين، وتكبيد الجيش السوري خسائر فادحة من بينها إعطاب دبابة T72 «ما اضطرها إلى التراجع»، وفق بياناتهم، التي أكدت استهداف مباني البحوث العلمية بقذائف، ما أدى إلى اندلاع النيران في بعضها.
وأعلنت صفحات التنسيقيات المعارضة مقتل طفلتين برصاص قناصة الجيش خلال الهجوم على حيّ الراشدين، فيما لم تعلن سقوط قتلى من قبل المهاجمين.
كذلك أطلق المسلحون صاروخين محليّي الصنع على حيّ حلب الجديدة سقطا بالقرب من دوار السلام ولم يؤديا إلى سقوط قتلى. في المقابل، رأى مصدر عسكري أنّ العملية فشلت في اليوم الأول كما حصل في «إعصار حلب»، ولا تزال «جثث كثير من قتلاهم في حيّ الراشدين من جهة المنصورة التي تسللوا منها».
المصدر رأى أنّ فتح معركة جديدة في الأحياء الغربية هو «لذر الرماد في العيون بعد هزيمتهم المنكرة في الصاخور، وللتهويل الإعلامي كما اعتدنا»، مشيراً إلى أنّ «الجيش أحكم سيطرته على كل المرتفعات المشرفة على بلدة كفر حمرة المتاخمة لعندان وأنها بحكم الساقطة عسكرياً، وهي خالية من السكان والمسلحين على حد سواء».
في موازاة ذلك، رأت صحيفة «الديلي تلغراف» أنّ «المعارضة المسلحة تعي درس القصير لدحر قوات (الرئيس بشار) الأسد في حلب».
ويروي مراسل الصحيفة في حلب نقلاً عن المعارضة المسلحة دحرها هجوماً توعد به الجيش السوري على حلب، وشنّت هجوماً مضاداً بعد تعلمها من أخطائها في القصير. وتضيف الصحيفة أنّه بعد ما يبدو أنه دحر لتقدم الدبابات شمال المدينة، لا يوجد ما يشير إلى وقوع هجوم كبير من قبل القوات الحكومية.
وتنقل عن أحد مقاتلي المعارضة قوله إنّ المعارضة التي زوّدت أخيراً أسلحة حديثة من السعودية وقطر، شنت هجوماً مضاداً غرب المدينة وشمال غربها. وتقول الصحيفة إنه قبل سقوط القصير، شنّ العقيد عبد الجبار العكيدي، قائد المجلس العسكري الثوري في حلب، وعبد القادر الصالح قائد لواء التوحيد، عملية إنقاذ.
ووفقاً لمقابلات أجرتها الصحيفة، اتضح أن عملية الإنقاذ كادت أن تخفق وأن تودي بحياة كل من القائدين، الأمر الذي كان سيسبّب إضعاف معنويات المعارضة. وقال العكيدي للصحيفة إنّ معركة حلب، إذا حدثت، لن تكون مثل الهجوم على القصير، إذ إن حلب مدينة كبيرة تتحصن فيها قوى المعارضة، وتقع في مناطق نفوذ السنّة ولا تبعد عن تركيا إلا 25 ميلاً فقط.
وأضاف «إنّ الدرس المهم الذي يجب تعلمه من القصير هو أنه من غير المجدي الانتظار لقدوم العدو إليك»، إذ إنّ «الهجوم أفضل وسيلة للدفاع». في سياق آخر، واصلت وحدات الجيش السوري ملاحقتها للمجموعات المسلحة في ريف دمشق، وذكر مصدر أمني أنّ وحدة من الجيش «قضت على أفراد مجموعة مسلحة في محيط مؤسسة الكهرباء في حيّ القابون، في حين أوقعت وحدة ثانية قتلى ومصابين بين صفوف الإرهابيين في حي برزة». وأضاف المصدر أنّ وحدة ثانية من الجيش اشتبكت مع مجموعة مسلحة على امتداد دوار المناشر في جوبر.
وفي حمص وريفها، قضت وحدات من الجيش اليوم على أعداد من المسلحين، بينهم قناصون في أحياء القصور، والقرابيص، وجورة الشياح، ووادي السايح، وقرب بناء المالية في باب هود وبساتين الغوطة. كذلك اشتبك الجيش مع المعارضة المسلحة على محور تلبيسة _ كراج الدرويش _ بيت النبهان _ بيت الراشد، في حين ألقت وحدة أخرى القبض على أعداد من المسلحين الآخرين خلال تفتيشها قرية الباروجة والمزارع المحيطة بريف تلكلخ، في حين حذّر «الائتلاف» المعارض من وقوع «مجزرة» في مدينة تلكلخ، مشيراً إلى أنّ «هناك محاولات للقوات النظامية مدعومة بعناصر من حزب الله لاقتحامها»، داعياً المجتمع الدولي إلى «حماية المدنيين».