على مشارف مدينة اللاذقية، في الساحل السوري، تبدأ ملامح حكاية جديدة. صور الرئيس بشار الأسد والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، التي لطالما ملأت المفارق على طول الأتوستراد الدولي بين جبلة والقرداحة وصولاً إلى مدخل مدينة اللاذقية، ضمّت تعديلات جديدة. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أضحى حاضراً في المشهد بقوة، إذ أضيفت صورته إلى الصور السابقة، بطريقة تشرح عمق التغيرات الطارئة على الساحل السوري.
المظلة الجوية تعني الأمان، والأمان يجذب المستثمرين

أنت تحت المظلة الروسية بمجرد دخولك أراضي الساحل السوري. وستقابل الطائرات الروسية على طول الطريق الدولي بلا مناسبات، وستسمع أصوات تحليقها في الأجواء. «أنت تحت المظلة الروسية»، هكذا يرى أهالي المنطقة، بمن فيهم مستثمروها، ما تترتب عليه تغييرات في المشهد الاقتصادية لمدينة اللاذقية أيضاً. أول القطاعات المتأثرة بالوجود الروسي في الساحل السوري: العقارات، إذ يُجمع السماسرة الساحليون على أن أسعار العقارات ازدادت مع أول انفراج أمني شهدته المنطقة، بعد التدخل الروسي الجوي في سوريا، بنسبة 20%. ومنذ ذلك الوقت، ومع استمرار الانفراجات الأمنية، ارتفعت الأسعار من شهر إلى آخر. يقول أبو زاهر، تاجر مواد بناء: «المظلة الجوية الروسية تعني الأمان. والأمان يجذب المستثمرين». ويضيف: «حركة البيع والشراء تشهد ركوداً واضحاً، ولا سيما بالنسبة إلى سكان الساحل الأصليين، بسبب الفقر المنتشر بينهم، وتردي أوضاعهم المادية، جراء تزايد نسب الشهداء والمفقودين طوال سنوات الحرب الخمس». ورغم تحريك النازحين الآتين من مناطق القتال، ولا سيما الحلبيين، لسوق العقارات، غير أن السوق تحرّك في مجال الإيجارات أكثر من انتعاشه في ما يخص حركة البيع والشراء، بحسب ما يقول عدنان، صاحب مكتب عقاري. ويلفت إلى أن السيولة المالية غير متوافرة عند أشخاص كثر لإجراء عملية شراء، غير أن انتعاشاً طفيفاً أفضى إليه مجيء الروس العسكري إلى المنطقة.
دخول سلاح الجو الروسي على مشهد المعارك شجّع المستثمرين على شراء أراض على طول الأوتوستراد الدولي، وفي مناطق كريف جبلة والقرداحة، وكل ما يجاور مطار حميميم، حيث القاعدة العسكرية الروسية. يذكر أيهم، صاحب شركة تطوير عقاري، أنّ الرغبة في شراء أراضٍ تتعلق بأسباب الخوف السابق من حدوث دمار في الساحل السوري، قد تسببه محاولات توغل بري ينفذها المسلحون المستقرون سابقاً في جبال الساحل، باتجاه الريف الموالي للدولة السورية، أو نحو مدينة اللاذقية. ويضيف أيهم: «الصواريخ التي كانت تتساقط على أحياء المدينة، خلقت حالات تردد لدى المستثمرين الذين كانوا يفضلون التروّي في الشراء، مع حدوث كارثة من هذا النوع كل مرة». ويرى أن بعض الزيادات في الأسعار كانت وهمية، مشيراً الى أن بعضها «لعبة تجار». ويدلل على ذلك بقوله: «عند كل حادثة أمنية كسقوط صواريخ أو انفجار مفخخة، تسري شائعات بهبوط في أسعار الشراء. يمكن اكتشاف اللعبة عند محاولة المرور على أسعار السوق بغرض الشراء الفوري، وملاحظة وجود ثبات في الأسعار المرتفعة». ومنذ دخول الروس على خارطة المعارك هرع أيهم والكثير من رفاقه إلى شراء مساحات كبيرة في الساحل، بهدف إنشاء مجمعات سكنية وبيع شققها للراغبين «بالتملّك تحت مظلة سلاح الجو الروسي». وعن ذلك يقول: «لم نشترِ بأسعار رخيصة أبداً، غير أننا سعينا إلى الشراء بسبب علمنا أن الأسعار إلى ارتفاع. وهذا الارتفاع لا يتوقف منذ أشهر طويلة. ومع إعلان اللاذقية وريفها آمنين من المسلحين، ستشتعل الأسعار بجنون غير مسبوق. ولذلك سعيت إلى الاستعداد للفترة الذهبية المتوقعة، التي قد يشهدها الساحل السوري».
الكثير من الأجانب طمحوا إلى التملّك في الساحل السوري، وهو أمر مسموح به وفق شروط محددة في الدستور السوري. جاك، اللبناني المقيم في موسكو، أوكل إلى أقاربه في لبنان مهمة البحث عن أرض في اللاذقية، بغرض امتلاكها. يرفض جاك الشراء في أي مدينة سورية، باستثناء اللاذقية، متمنّياً الحصول على أرض في منطقة قريبة من القاعدة الروسية. ويعلّق على الأمر قائلاً: «الأرض لا بتتدمر بظل الحرب الحالية، ولا بتتأذى. منشتريها ومننساها لوقت الازدهار المتوقع، ومنربح فيها بعدين. وشو ما كان سعرها بيضل أرخص من الأراضي بلبنان».