عبر 3 قنوات على الاقل جرى التنسيق مع سوريا في شأن الضربات ضد داعش. العراق وروسيا والامم المتحدة. لم يقتصر الأمر على مجرد «ابلاغ» القيادة السورية، بل حصل تنسيق فعلي. ثمة معلومات عن وفود عسكرية واستخبارية اميركية زارت دمشق في الفترة المنصرمة. وهناك معلومات اخرى عن رسائل ايجابية من دول اوروبية وفي مقدمها المانيا.
لعل العراق كان القناة الأكثر علانية. جاء مستشار الامن الوطني فالح الفياض مبعوثاً من رئيس الوزراء حيدر العبادي. استقبله الرئيس بشار الاسد مرتين في اقل من اسبوع. تعمّدت وسائل الاعلام نشر صور تظهر ارتياح الرئيس.
ثمة ما يدعو للارتياح الحذر. حمل الفياض رسالة واضحة حول اهداف ومواعيد الضربات التي لن تستهدف النظام. حمل أيضاً تمنّياً أميركياً بعدم اعتراض الطائرات. كان جواب الأسد علنياً ومريحاً للاميركيين. رحّب بكل جهد دولي لضرب الارهاب. كيف لا يرحّب، وهو نفسه كان منذ خطاباته الأولى يدعو الدول الغربية للمساعدة في ضرب الارهاب وتجفيف مصادره واغلاق طرق العبور والحدود أمامه. يشعر بأن العالم تبنى وجهة نظره... ولو متأخراً.
معلومات اخرى تؤكد ان السفير الروسي في دمشق أبلغ القيادة السورية التوقيت الدقيق لبدء الضربات وأماكنها، فضلا عن المعلومات الكثيرة التي توافرت عند الايرانيين وعند مندوب سوريا في الامم المتحدة الدكتور بشار الجعفري.
يبتسم القادة السوريون حين يقال لهم إن أميركا نفت كل ما قاله الوزير وليد المعلم والجعفري. عندهم من الرسائل والتسجيلات والقرائن ما يثبت العكس. من مصلحة اميركا ان تكذَّب المعلومات، ومن مصلحة دمشق الا تفصح... التنسيق قائم... أليس كلام أوباما امس عن الحل السياسي في سوريا مؤشراً مهماً؟
هل هذا يعني ان دمشق مرتاحة فعلاً لما يحصل؟
أكيد لا، رغم التنسيق. «تاريخ اميركا لا يشجع». ألم يكذب الاطلسي على روسيا حين قال انه سيدخل ليبيا فقط لاسباب انسانية؟ ثم إن المتحالفين مع واشنطن هم من حارب سوريا وسهَّل وصول الارهاب اليها. رغم ذلك فثمة ترحيب بضرب الارهاب.
الضربات طاولت أيضاً مقاتلي «النصرة» في ريف ادلب. وفق الاستخبارات السورية فان كل رجال «النصرة» هناك تابعون لقطر رغم ان طائرة قطرية شاركت في الطلعات لا القصف. هذا مؤشر ايجابي لافت من قبل الاميركيين، وربما مؤشر ايضا على بعض التحول القطري.
مع ذلك، فان استعدادات أمنية اخرى، وربما خطيرة، تجري في مكان آخر. تفيد معلومات بأن 12 دولة بقيادة أميركا درَّبت 5 آلاف مقاتل في الاردن. هؤلاء هم من يشير اليهم اوباما حين يتحدث عن تدريب المعارضة المعتدلة. يراد رفع العدد لاحقاً. الهدف هو تقوية دعائم الجبهة الجنوبية للضغط لاحقا على النظام السوري، ليس لاسقاطه وانما لتوسيع المشاركة في السلطة.
لا يأخذ المسؤولون السوريون مثل هذا التهديد على محمل الجدّ. يقولون ان أميركا «تجاهد» منذ 4 سنوات لانتاج ما تسميه «المعارضة المعتدلة». هي نفسها اعترفت بالعجز. أُبلغ شركاؤها الغربيون والعرب ذلك. حوار جون ماكين مع اوباما في مجلس الشيوخ كان معبِّراً تماماً عن العقبات.
وماذا لو دخلت اسرائيل على الخط. ألم تسقط طائرة حربية قبل يومين فوق الجولان المحتل؟
ثمة فصل بين اسقاط الطائرة وموقف اسرائيل. هي اسقطتها لأنها فعلاً دخلت خطأ الى الجولان المحتل. طيارها من السويداء هو العقيد الركن حسان عبد الهادي اصيب بجروح بالغة واستشهد مساعده المقدم طارق قناة. اما أهداف اسرائيل، وفق المسؤولين السوريين، «فهي واضحة. تريد منذ فترة اقامة منطقة عازلة. تحاول اغراء المعارضة وبعض القادة الدروز في سوريا ولبنان، لكن هذا فَشِل وسيفشل لان اسرائيل تعرف ثمن فتح اي جبهة هذه المرة». مع ذلك فان القيادة العسكرية السورية تبدو مستعدة لكل الاحتمالات وتراقب عن قرب ما يجري في سوريا ولبنان.
كل ذلك يدعو إلى الحذر، لكن اللافت ان من يسمع المسؤولين السوريين، بعد يومين من الغارات الاطلسية والعربية، لا يشعر بالقلق السائد خارج سوريا. الرسائل التي وصلت مطمئنة. الجيش السوري يستمر في التقدم. الاسلحة الروسية ازدادت. موقفا ايران وحزب الله حازمان. المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا قال لمن عاتبه على الذهاب الى سوريا: «اليس جلوسي الى جانب الاسد بأمر من الامين العام للامم المتحدة اعترافاً بشرعيته؟». وزير خارجية المانيا قال في احد الاجتماعات أخيراً: «كل سياستنا في سوريا كانت خاطئة ولا بد من اعادة الحسابات».
والاهم ان الاميركيين أبلغوا شركاءهم العرب ان احتمال التعاون مع ايران وروسيا والاسد ممكن جداً لاحقاً، وانه لا بد من «استئصال سرطان داعش من البيئة السنية». وحتى ذاك الحين، لا بأس ان يشاهد الأسد من مكتبه الطائرات الاميركية تقتل اعداءه الاكثر خطورة على الارض السورية. يعتمد مبدأ wait and see... ولكن بحذر شديد.
مجرد ملاحظة: حين تلتقي طائرتان، اميركية وسورية، فوق دير الزور لقصف العدو المشترك، «داعش»، الا تتبادلان المعلومات؟ مجرد سؤال؟