على أن استثمار «قسد» لهذه الورقة لم يتأخر؛ إذ أعلنت، قبل أيام، إصدار عفو عن سجناء، يشمل، وفقاً لمصادر كردية تحدثت إلى «الأخبار»، نحو 1200 عنصر سابق من تنظيم «داعش»، ثلثهم تقريباً من العراقيين، الأمر الذي دفع الأمن العراقي إلى إعلان «خطة استنفار» شاملة، لمحاولة احتواء آثار إطلاق سراح هؤلاء المسلحين. بدورها، طلبت قيادة عمليات غرب نينوى من القوات العراقية في المحافظة توخّي الحذر واليقظة، واستخدام كل الموارد لمنع هؤلاء من العبور إلى الأراضي العراقية، في حين قال ضابط رفيع المستوى في المخابرات العراقية، لوسائل إعلام، إن «خطة الاستنفار ستركّز على نشر الكمائن والسيطرة على الأراضي والمناطق النائية، وستكون هناك حملات تفتيش للمناطق التي تعدّ حاضنة للإرهاب والكهوف الموجودة في الصحراء». وفي وقت لم تستبعد فيه المصادر الكردية وجود «رسائل موجّهة إلى العراق»، الذي يؤدي دوراً في الوساطة بين دمشق وأنقرة، أشارت إلى أن الخطر يشمل أيضاً منطقة البادية السورية، والتي تشهد بالفعل نشاطاً متزايداً لخلايا تنظيم «داعش»، تربطه موسكو ودمشق بالدعم الأميركي عبر «قاعدة التنف»، ما يهدد بإشعال متزايد للمعارك في المناطق ذات الطبيعة الجغرافية المعقدة، وسط سوريا.
تتمسّك «قسد» بعامل الوقت، وما قد يتخلّله من متغيّرات دولية قد تسمح بتأجيل إنهاء «الإدارة الذاتية»
أما على الصعيد السياسي، فتظهر محاولات حثيثة تبذلها «قسد» لفتح قنوات تواصل مع تركيا، أو «الفصائل السورية المعارضة»، أو الحكومة السورية في دمشق، أملاً بتلافي أيّ عمل عسكري ينهي «الإدارة الذاتية»، وإيجاد توافق سياسي يحفظ بعضاً من ملامح هذه «الإدارة»، بحسب المصادر الكردية التي أشارت إلى التصريحات الأخيرة لقائد «قسد»، مظلوم عبدي، الذي أعلن أنّه منفتح على الحوار مع الحكومة السورية، بعد مرور أيام على تصريح سابق قال فيه إنه منفتح على الحوار مع تركيا والمعارضة السورية. ورأى عبدي، الذي حاول الالتفاف على الأزمة الوجودية التي تعانيها «الذاتية» عبر حديثه عن صعوبة توصل دمشق وأنقرة إلى اتفاق قريب في ظل الملفات المعقدة بين البلدين، أنّ من الممكن التوصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية. وقال إن التواصل مع هذه الأخيرة لم ينقطع، معتبراً أن الأمر يتعلق بمواقف دمشق، التي دعاها إلى «إعادة تقييمها»، في إشارة إلى محاولات سابقة للحوار، تمت بوساطة روسية، خلال فترة تولي ترامب مقاليد الحكم، والتي أصرت خلالها دمشق على إنهاء «الإدارة الذاتية»، قبل أن ينسحب الأكراد من الحوار تنفيذاً لأوامر أميركية، وفق ما أعلنت روسيا التي رأت حينها أن الحوار مع «قسد» غير موثوق به، بسبب استمرار انصياعها لأوامر واشنطن.
والجدير ذكره، هنا، أن دمشق كانت قد أبدت انفتاحها خلال جولات الحوار السابقة، كما أبدت مرونة كبيرة في تناول بعض الملفات الحساسة، بما فيها تعليم اللغة الكردية، غير أنها أبدت أيضاً تمسكاً بمجموعة من المبادئ، على رأسها إنهاء «الإدارة الذاتية» وعودة سلطة الحكومة السورية إلى شكلها الطبيعي، وهي مواقف لن تغيّرها دمشق بالتأكيد. وعلى رغم أن انخراطاً كردياً حقيقياً في الحوار مع دمشق من شأنه أن يفضي إلى إنهاء تجربة «الذاتية»، إلا أنه سيجنّب الأكراد، في الوقت نفسه، حرباً غير متكافئة، اختبرت «قسد» جزءاً منها سابقاً خلال التوغل التركي في الأراضي السورية واحتلال مناطق عديدة في الشمال السوري كانت خاضعة لسيطرة الأكراد، وما زالت تختبر بعضها عبر الاستهدافات المستمرة التي تنفذها أنقرة بالطائرات المسيرة، والتي تسببت بتدمير قطاعات عديدة في مناطق سيطرة «قسد». وعلى أي حال، يبقى العامل الوحيد الذي لا تزال تتمسك به الأخيرة في الوقت الحالي هو «الوقت»، وما قد يتخلله من متغيرات دولية قد تسمح بتأجيل إنهاء «الإدارة الذاتية».