كأنّ الزمن يعود بسوريا إلى عام 2011. فظاهر الأمر، مزيد من الصعوبات التي تواجه السكان المحلّيين، ما يدفعهم إلى تنظيم احتجاجات على أداء الحكومة، في ظلّ حالة من الغليان تعمّ البلاد جرّاء الضغوط الكبيرة الناجمة عن الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب والمعقّد. لكنّ الاحتجاجات التي تغطّي مناطق عديدة في سوريا، تتّخذ أكثر من طابع، خصوصاً أن الأمر لا يخصّ منطقة دون أخرى، حيث يشهد الساحل السوري، حيث للنظام نفوذه القوي، خروج أصوات تطالب الرئيس السوري بشار الأسد بمواجهة حالة الفساد التي تتمدّد أكثر من مرحلة ما قبل الحرب. ومثل المرة السابقة، فإن الخارج المعادي لسوريا لا يقف بعيداً عما يجري. وصحيح أن الناس سيعودون إلى رفض فكرة المؤامرة، لكن المعطيات حول مشاريع أميركية وإسرائيلية تخصّ مناطق الجنوب والشرق السوريين، ليست وليدة هذه الأيام. وسبق لـ«الأخبار» أن أشارت إلى وثائق دبلوماسية عربية صادرة قبل نحو عشرة أشهر، تتحدّث عن مخطّطات أميركية وإسرائيلية، بالتعاون مع عدد من الدول، ولا سيما الأردن وتركيا وقطر، لخلق وقائع جديدة في سوريا، بعد الهزيمة العسكرية الكبيرة التي مُنيت بها القوى التي شاركت في الحرب على سوريا.في موازاة ذلك، يستمرّ النقاش جدّياً حول ضرورة حصول تغييرات كبيرة ونوعية في إدارة الحكومة السورية للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث إن ظاهرة الفساد المنتشرة بطريقة كبيرة جداً، وصارت أشبه بـ«سياسة عامة»، باتت تعيق أي عمل إصلاحي في طريقة مواجهة مؤسسات الدولة السورية للأزمة. وعلى الرغم من أن الحصار الخارجي آخذٌ في الاشتداد أكثر، وسيكون أمام موجة جديدة تقودها أميركا، فإن الجمهور يطالب الحكومة بخطوات تقلّص الفوارق الهائلة الموجودة حالياً، بين أقلّية لا تزال تتمتّع بقدرات مالية كبيرة، وأغلبية ساحقة من المعوزين الذي يعيشون تحت خط الفقر.
يستمرّ النقاش حول ضرورة حصول تغييرات في إدارة الحكومة للأوضاع


لكن إلى جانب هذا الطور من الأزمة المعيشية، والتي تنعكس آلياتٍ قمعية في حالات كثيرة، فإن الأطراف المعادية لسوريا، لا يبدو أنها تعلّمت من درس الحرب، وها هي تعود لتدفع نحو توجّهات انفصالية لمناطق أو مجموعات في سوريا. وهو عنوان رئيسي في البحث القائم حالياً إزاء ما يحصل في جنوب سوريا على وجه الخصوص. وكان وزير الخارجية السورية فيصل المقداد، تحدّث أمام نظرائه العرب في اجتماع «لجنة الاتصال العربية الوزارية لأجل سوريا»، في القاهرة في 16 آب الجاري، عن «مساعٍ تقوم بها دول عربية كان لها دورها في الحرب على سوريا، لرعاية احتجاجات شعبية داخل البلاد، بهدف الضغط على الحكومة لإجبارها على التسليم بشروط الخارج». وقد لفتَ انتباهَ المشاركين في الاجتماع، أن «الجانبين المصري والأردني، لعبا دوراً كبيراً في خلق هذه المناخات».
وتشير معلومات «الأخبار»، إلى أن هنالك انقساماً في صفوف بعض مجموعات المعارضة السورية، حيث يدعو بعض المعارضين السوريين إلى ترك الاحتجاجات قائمة بطريقتها الحالية، وعدم تسييسها سريعاً، وعدم دفع المجموعات المنخرطة فيها إلى مواجهات كبرى، لكن يبدو أن العواصم المعنيّة، لديها حساباتها الخاصة الأخرى. ذلك أن إسرائيل تطالب الأميركيين ببرنامج عملٍ يهدف إلى إقفال الحدود العراقية – السورية، لمنع تدفّق السلاح إلى فصائل المقاومة في سوريا ولبنان. كما تطالب إسرائيل أيضاً الأميركيين والجانب الأردني، بالعمل على خطوات لإقامة شريط أمني على طول الحدود الجنوبية لسوريا مع الأردن، ومع الجولان السوري المحتلّ. وإلى جانب ما سبق، تطالب تل أبيب الجانبين الأميركي والأردني، بالعمل على خطوات ميدانية للسيطرة على كامل الخط الحدودي بين العراق وسوريا والعراق والأردن، نظراً إلى كون العدو يعتبر أن هذا الخطّ بات معبراً يتمّ من خلاله نقل الأسلحة إلى داخل الضفة الغربية في فلسطين المحتلة.
ويُشار إلى أن ما نشرته «الأخبار» سابقاً حول الأمر، ركّز على مشروع الولايات المتحدة لنسخ نموذج «قسد» شرقي سوريا، في محافظة السويداء جنوبي سوريا. وقد أفصح دبلوماسيّون من الأردن في حينه، عن «خطة أميركية في محافظة السويداء، تقوم على إدارة المحافظة من السكّان المحلّيين، وأنها خطّة تخدم إسرائيل والأردن، لجهة تحويل الجنوب السوري إلى منطقة عازلة، كما هو الحال في الشمال السوري بالنسبة إلى تركيا».