الحسكة | تتوجّس «قوات سوريا الديموقراطية» من خطوات التقارب السوري - التركي، لإدراكها أنها ستكون الأكثر تضرّراً من عودة العلاقات بين البلدَين، بالنظر إلى تقاطعهما عند اعتبار مشروع «قسد» ذي بُعد انفصالي، يتهدّد وحدة سوريا واستقرارها، والأمن التركي في الوقت نفسه. وعلى هذه الخلفية، بدأت وسائل الإعلام التابعة لـ«الإدارة الذاتية» أو المقرّبة منها شنّ حملة على «اتّفاق أضنة»، الذي ترى أنه سيكون مدخلاً لاستهداف مناطق سيطرتها بعد إجراء تعديلات عليه. ويأتي ذلك في وقت لا يزال فيه القادة الأكراد يتناسون السقف العالي الذي حدّدوه في مفاوضاتهم مع الحكومة السورية، وإصرارهم على الاعتراف الدستوري بـ«الإدارة الذاتية» كإدارة محلّية وبـ«قسد» كقوّة عسكرية، وصولاً إلى اتّهامهم الحكومة السورية بمساعدة الرئيس التركي على تنفيذ مخطّطاته العدائية ضدّ الأكراد. ويشكّل مصير «قسد»، التي تسيطر على نحو رُبع الأراضي السورية، محوراً رئيساً من محاور التفاوض بين أنقرة ودمشق. على أن مسار هذه المفاوضات لن يكون سريعاً بحال من الأحوال، لوجود عوائق عديدة وملفّات شائكة تتطلّب إجراءات كثيرة لبناء الثقة، وهو ما يعني أنه سيكون لدى «الإدارة الذاتية» الوقت لإعادة بناء تحالفاتها، وتصعيد الضغوط على الأميركيين من أجل انتزاع موقف «إيجابي» منهم بهذا الخصوص. من جهتها، «لا تبدي الدولة السورية حماسة لاستخدام القوّة العسكرية ضدّ قسد، بل تصرّ على المسار التفاوضي معها، من أجل التوصّل إلى حلول من شأنها تبديد مخاوف الأتراك الأمنية»، وفق ما تفيد به مصادر مطّلعة «الأخبار»، مؤكّدة أن «الدولة السورية لا تريد أن يحصل التقارب مع الأتراك من خلال تفجير الأوضاع في المناطق الخاضعة لسيطرة قسد». وعلى رغم أن دمشق حرصت على إيصال تلك الرسالة إلى «قسد»، عبر قنوات الحوار المفتوحة معها، إلّا أن الأخيرة ظلّت على موقفها التصعيدي العلني، بل وسارع ذراعها السياسي، المتمثّل في «مجلس سوريا الديموقراطية»، إلى إصدار بيان «تنديدي» بخطوات التقارب مع أنقرة، ومطالبة قوى المعارضة كافة في الداخل والخارج بالتوحّد ضدّه، وإعلان مناطق سيطرة «الذاتية» مفتوحة «لكلّ حرّ يقف ضدّ هذا التقارب، لأن فيه تآمراً على الشعب السوري».
يَظهر الخيار الأقلّ تكلفةً بالنسبة إلى «الذاتية»، هو التخلّي عن الشروط التعجيزية


والواقع أن القوى الكردية لا تملك من خيار سوى الاعتماد على درع أميركي لحمايتها من تداعيات التطبيع السوري - التركي. ولذا، فهي لا تني تتّخذ خطوات على طريق تعزيز هذا الدرع، وفق ما يؤشّر إليه مثلاً ارتفاع وتيرة الإنزالات العسكرية المنفَّذة ضدّ خلايا «داعش»، وإطلاق «قسد» عملية «صاعقة الجزيرة» لملاحقة فلول التنظيم على الحدود السورية - العراقية والبلدات المجاورة لها. كذلك، طلبت «الذاتية» من الأميركيين تجديد الوساطة بينها وبين الأتراك، لبحث إمكانية الوصول إلى تسوية معهم على قاعدة فصْل ملفّ «حزب العمّال الكردستاني» عن ملفّها، مبديةً استعدادها لمنح امتيازات اقتصادية للأتراك في مناطق سيطرتها، وهو ما يستحيل أن ترضى به أنقرة كونها تَعتبر «قسد» ذراعاً عسكرية لـ«العمال». أيضاً، تفيد المعلومات بأن قيادات «مسد» في الخارج كثّفت من نشاطاتها في الدول العربية والغربية، باحثةً عن تحالفات جديدة مع قوى المعارضة، وساعيةً إلى تشكيل جبهة موحّدة في وجه التقارب السوري - التركي. على أن العمل للائتلاف مع قوى مغمورة وغير ذات وزن، لن يُخرج خطوة «قسد» تلك من إطار الاستعراضات السياسية، ومحاولة تصعيد الضغوط على الجانبَين الحكومي والروسي لأخذ مصالحها في الاعتبار، كما لن يحميها من أيّ هجوم تركي، أو تَشكّل توافق سوري - تركي على محاربتها. ويضاف إلى ما تَقدّم، أن فتْح «الذاتية» مناطق سيطرتها لأطراف المعارضة، سيزيد الوضع تعقيداً، ويقطع شعرة التواصل مع دمشق، ويخلق حالة من العدائية مع السلطات الحكومية، لم تكن موجودة منذ بدايات الحرب في البلاد.
إزاء ما تَقدّم، تبدو خيارات «قسد» الحالية أقرب إلى خيارات مرحلية، متناسبة مع استمرار الوجود الأميركي ضمن مناطق سيطرتها، وتشكيله غطاءً يحميها من أيّ هجمات. لكن هذا الوجود ليس مضمون البقاء، في ظلّ الضغط التركي المتواصل على الأميركيين، وهو ما يوجب على «قسد» التحسّب لحصول انسحاب أميركي مماثل لِما جرى إبّان إطلاق تركيا عملية «نبع السلام». وفي ضوء ذلك، يَظهر الخيار الأقلّ تكلفةً بالنسبة إلى «الذاتية»، هو التخلّي عن الشروط التعجيزية في المفاوضات مع الجانب الحكومي، والعمل على التوصّل إلى تفاهمات تعيد سيادة دمشق على مناطق الشمال الشرقي، على أساس دمج «قسد» و«الذاتية» في البنية العسكرية والإدارية للدولة السورية، والسعي إلى استحصال ضمانات تكفل حقوق الأكراد في المشاركة في الحياة السياسية والثقافية في البلاد تحت السقف الوطني، بعيداً عن مشاريع الفدرالية والتقسيم المرفوضة رسمياً وشعبياً.