الحسكة | لا يبدو الحديث عن تواصل وشيك بين الرئيسَين السوري بشار الأسد والتركي رجب إردوغان، وفق ما سرّبته الصحافة التركية، قابِلاً للتَحقّق، أقلّه في المدى المنظور، في ظلّ استمرار الخلاف والتوتّر بين الطرفَين. وعلى رغم أن حل المسألة الكردية قد يشكّل بوّابة لعودة التنسيق والتعاون، إلّا أن هذا المسار لا يزال يواجه عقبات غير سهلة. وممّا يؤشّر إلى ذلك، التصعيد الميداني الذي بدأته أنقرة خلال اليومَين الماضيَين، والذي يُعدّ الأعنف منذ انتهاء معارك عملية «نبع السلام» في العام 2019. وتزامَن التصعيد المتجّدد مع تأكيد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أن «الإعداد للعملية العسكرية ضدّ الإرهابيين في شمال سوريا، والتي أعلن عنها الرئيس رجب طيب إردوغان في مايو (أيار) الماضي، بات في المرحلة الأخيرة». وتعمّد الأتراك، منذ مطلع هذا الأسبوع، توسيع نطاق استهدافاتهم، والتركيز على مناطق تسيطر عليها «قسد» منذ نحو عشر سنوات لتأكيد جدّيتهم في إخراجها من كامل الشريط الحدودي الممتدّ من عين ديوار في أقصى الشمال الشرقي للحسكة، وحتى تل رفعت في ريف حلب الشمالي. وشمل القصف أحياء في القامشلي وعامودا والدرباسية وأريافها، والتي تعدّ مناطق ثقل عسكري وديموغرافي لـ«قسد» لكونها ذات غالبية كردية، بخلاف مدن وبلدات محافظة الحسكة، والتي يطغى عليها المكوّن العربي العشائري. كما أن تركيا تريد التأكيد أن وجود الجيش السوري في المناطق المستهدَفة نفسها، لم يلغِ وجود «قسد»، التي لا تزال تحتفظ بالنفوذ العسكري والإداري هناك، ولم تنسحب بعمق 30 كلم وفق ما نصّ عليه «اتفاق سوتشي». وهي بهذا تريد لفت نظر شريكَتَيها في «أستانا»، روسيا وإيران، إلى ضرورة العمل على إخراج الأكراد من المناطق المذكورة، أو منحها الضوء الأخضر لإبعادهم منها بالقوّة، عبر إطلاق عملية عسكرية جديدة. أيضاً، تستهدف أنقرة إدامة حالة من عدم الاستقرار في عموم مساحة سيطرة «قسد»، تمهيداً لخلْق الفوضى في صفوفها. وبدأ، بالفعل، سريان حديث عن حالات فرار جماعية أو فردية من «قسد» و«الأسايش»، ما يعني في حال تأكيده، نجاحاً تركياً في إحداث خلل في البنية التنظيمية والعسكرية للقوات الكردية. يُضاف إلى ما تَقدّم أن تثبيت هذا الواقع سيعني إبطالاً لكلّ مفاعيل قرار وزارة الخزانة الأميركية استثناء مناطق «قسد» من العقوبات، عبر ضمان عدم وجود بيئة للاستثمار فيها، تشجّع الشركات العالمية على العمل هناك.
بدا موقف «قسد» من التصعيد التركي مربَكاً وموجّهاً ضدّ الروس فقط


في المقابل، يبدو موقف «الإدارة الذاتية» من التصعيد التركي مربَكاً، وموجّهاً ضدّ الروس فقط، من خلال تنظيم التظاهرات الاحتجاجية أمام القواعد الروسية، على رغم أن القصف التركي الأخير وقَع ضمن مناطق النفوذ الأميركي في شرق الفرات، حيث سقط عدد من القذائف في محيط سدّ السفانة في ريف القحطانية، والذي يعدّ نقطة تمركز رئيسة لـ«التحالف الدولي». وتريد القوى الكردية بذلك التحرّك، إظهار أن ما يحصل هو نتيجة توافق غير معلَن بين كلّ من روسيا وتركيا وإيران وسوريا، متناسيةً دور الولايات المتحدة، حليفة تركيا في «الناتو». وفي هذا السياق، ترْشح معلومات من عدّة مصادر، عن أن القوات الأميركية تعدّ المصدر الرئيس لتسريب المعلومات عن مواقع «قسد» وتحرّكات قياداتها، ما أدّى إلى مقتل عدد منهم بالمسيّرات المفخّخة أو عبر العبوات الناسفة، خلال الفترة الماضية. أيضاً، تؤكّد مصادر ميدانية في الحسكة، لـ«الأخبار»، أن «قسد باتت تدرك أن الأميركيين غير قادرين على حمايتها، ويقدّمون المساعدة غير المباشرة للأتراك ضدها»، مضيفة أنه «مع ذلك، لا تزال القيادات الكردية النافذة تريد التمسّك بالتحالف مع الأميركيين حتى اللحظة الأخيرة، على مبدأ الحفاظ على التوازن في العلاقة المصلحية مع كلّ من واشنطن وموسكو، وهو أمر لم يعُد صالحاً للظرف الحالي الذي يحتاج إلى بوصلة واحدة فقط في التحالفات». وترى المصادر أن «قسد تعتبر أن أيّ اتفاق مع الروس سيعني حتماً تسليم الشريط الحدودي بالكامل للجيش السوري، ولذا، يعدّ ذلك خياراً مؤجّلاً، إلى حين معرفة مصير العملية العسكرية التركية»، معتبرةً أن «هذا التفكير يذكّر بالسياق الذي شهدته مدينة عفرين، والذي انتهى بسقوطها بيد الاحتلال التركي». وتستدرك المصادر بأن «الفرصة لا تزال قائمة أمام قسد لإزالة كلّ الذرائع التركية، وضمان أمن مدن وبلدات الشريط الحدودي، وحماية آلاف الأسر التي تقطنه».