يعتقد الأوروبيون والأميركيون أن الخلاف مع الروس حول المساعدات العابرة للحدود من تركيا إلى الداخل السوري، لن يؤول إلى نهايته قريباً، في ظلّ تصاعُد الاستقطاب الدولي وتضارب المصالح بين الأطراف المعنيّة، وموقف الحكومة السورية الرافض لعبور أيّ مساعدات لا تمرّ عبر دمشق حصراً، ومنها يمكن أن تُتابع طريقها إلى مختلف مناطق البلاد، بما فيها الشمال بشكل خاص. وكان الصراع الغربي - الروسي حول ذلك الملفّ يتجدّد كلّ عام تقريباً، قبل أن يتحوّل إلى كلّ 6 أشهر، وينحصر بمعبر باب الهوى. ووقعت آخر مواجهة بين الأطراف الدولية في هذا السياق، في تموز 2022، حيث استُخدم حق النقضّ (الفيتو) مرّتَين في مجلس الأمن، ضدّ مشروعَي قرار تقدّمت بأحدهما الدول الغربية بقيادة واشنطن، والآخر تقدّم به الروس، قبل أن تعود موسكو بنسخة معدَّلة بعد أيام من المفاوضات خلف الكواليس، استطاعت تمريرها في ظلّ امتناع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا عن التصويت. وقضى القرار النافذ باستمرار تمرير المساعدات عبر الحدود حتى نهاية العام الحالي، وزيادة تلك التي تأتي إلى دمشق، إضافة إلى دعم قطاع الكهرباء ومشاريع «التعافي المُبكر». وبدا امتناع الغرب عن التصويت، من حيث الشكل، تسهيلاً لمرور القرار كما أرادته روسيا، لكنه لم يكن استسلاماً لإرادة موسكو، ولا تبديداً لمخاوف دمشق ممّا تسمّيه استئثار واشنطن بالملفّ الإنساني، وإدارتها إيّاه وفق مصالحها السياسية. والدليل على ذلك، هو أن الغرب يعمل حالياً على إيجاد آلية بديلة، يقوم عليها الأوروبيون والأميركيون بشكل أساسي، ومعهم بطبيعة الحال تركيا التي لا بدّ أن يكون منها أحد ممرّات العبور، إضافة إلى حاجة أصحاب المشروع إلى موافقة حكومة إقليم كردستان العراق. وبحسب معلومات اطّلعت عليها «الأخبار»، فإنه قد أُطلق على الآلية المُقترحة اسم «إنساف أو إنصاف»، اختصاراً لـ«Insaf= Interim Northern Syrian Assistance Fund»، أي «صندوق مساعدة شمال سوريا المؤقّت»، وهو لا يشمل فقط شمال غرب البلاد، وإنما شمال شرقها أيضاً، بحيث يكون عودة إلى السيناريو القديم الذي كانت تمرّ بموجبه المساعدات العابرة للحدود عن طريق مختلف المعابر في الشمالَين الشرقي والغربي. ومن المفترض أن يستفيد المشروع الذي لا يزال قيْد الدراسة حالياً، من القرار الأميركي برفع العقوبات عن مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، والذي صدر في أيار الماضي.
تنأى الأمم المتحدة بنفسها تماماً عن هذا المشروع حتى الآن


ويدور النقاش حالياً حول إمكانية أن يتولّى المانحون تمرير المساعدات إلى الداخل بشكل علني، أو عبر حكومتَي أربيل وأنقرة، أو عبر المنظّمات المحلّية المدعومة دولياً، والتي ينسّق معظمها مع الجانب التركي. كذلك، يواجه المقترح عدّة هواجس، أبرزها ما يطرحه الجانب الأوروبي الذي يحاذر التعاون مع الحكومة التركية، ويخشى من عواقب هذا التعاون. إلّا أن الصراع الحالي مع روسيا، ومعركة كسر العظم بينها وبين الغرب في مختلف مناطق النفوذ المشتركة، ربّما تجعل الأوروبيين يتجاوزون مخاوفهم تجاه أنقرة. ويُجري الديبلوماسيون الغربيون مناقشات في هذه الأيام حول موعد بدء العمل بالآلية الجديدة، وإمكانية إطلاقها نهاية العام الجاري في حال فشل تمديد قرار مجلس الأمن لستّة أشهر إضافية، أو حتى المضيّ بها في مسار منعزل عن المجلس.
وتنأى الأمم المتحدة بنفسها تماماً عن هذا المشروع حتى الآن، حيث جرى اجتماع أخيراً بين المعنيّين الأمميّين بالملفّ الإنساني في سوريا، وممثّلين عن منظمات عاملة في الشمال الغربي، طَرح خلاله هؤلاء تساؤلات حول إمكانية مشاركة المنظّمة الدولية في وضع خطط بديلة، فكان ردّ الأخيرة حاسماً بـ«(أننا) ملتزمون بالمشاريع التي تمرّ عبر مجلس الأمن والأمم المتحدة فقط». وفي خلاصة الأمر، فإن الملفّ الإنساني في سوريا يتحوّل، أكثر من أيّ وقت سابق، إلى ساحة صراع بين الغرب المستمرّ في حصار دمشق وفرض العقوبات عليها، وروسيا الرافضة للمساعدات العابرة للحدود على الطريقة الأميركية، فيما تبدو كلّ السيناريوات قائمة في هذه المعركة، بما فيها تعمُّق المعاناة الإنسانية للسوريين في مختلف مناطق البلاد، وتعثّر الحل السياسي ومسار «اللجنة الدستورية».