الحسكة | مرّت أيام عطلة عيد الأضحى، ثقيلة على سكان مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي، مع ارتفاع احتمال إطلاق تركيا عمليتها العسكرية باتجاه المدينة، في ظلّ تزايد حشود الجيش التركي والفصائل المسلّحة الموالية له في ريف حلب الشمالي، وتحديداً محيط منبج وتل رفعت. وشهدت أسواق المدينة في فترة ما قبل العيد، ركوداً تاماً، مع حركة نزوح للأهالي باتجاه القرى والبلدات، خوفاً من انطلاق العملية العسكرية التركية في أيّ لحظة. كما لجأ بعض التجّار إلى إفراغ مستودعاتهم، ونقل محتوياتها إلى مناطق آمنة، فيما عمدت «قسد» إلى تحصين مواقعها العسكرية، ورفع السواتر الترابية والدشم في المدينة وريفها، بما يوحي بأنها تجري عملية استعداد لصدّ هجوم عسكري تركي، ربّما حصلت «قسد» على إخطار بأنه بات وشيكاً. وأمام هذه الصورة، تصاعدت مخاوف السكان من تكرار مشاهد النزوح والتدمير والنهب والسرقة التي سبق وأن شهدتها مناطق «نبع السلام» و«غصن الزيتون». وفي هذا الإطار، يقول أبو محمّد، أحد أهالي منبج، في اتصال هاتفي مع «الأخبار»، إن «المدينة تشهد حالة من الخوف والهلع، من عودة المسلحين الذين كانت للأهالي تجارب مريرة معهم»، لافتاً إلى أن «منبج بدأت بالفعل تشهد أجواء الحرب، سواءً من التحركات العسكرية غير الاعتيادية للفصائل المسلحة في محيط المدينة، أو التعزيزات العسكرية لقسد»، كاشفاً عن «وجود حركة نزوح محدودة للسكّان باتجاه قرى وبلدات بعيدة من خطوط التماس». ويؤكد الرجل أن «غالبية سكان المدينة يجمعون على ضرورة تسليم قسد المدينة للدولة السورية لتجنيبها مصير عفرين ورأس العين وتل أبيض».
لا تعارض «قسد» تعطيل تفاهماتها مع الجيش، في حال كان المقابل عودة أميركية إلى ريف حلب

في هذا الوقت، جدّد وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، موقف بلاده الرسمي، حيث أشار إلى أن «تركيا مستهدفة من المجموعات الإرهابية شمال سوريا، بخاصّة من تل رفعت ومنبج»، وأكّد «عزم بلاده على إطلاق العملية العسكرية»، لافتاً إلى أن «خططها جاهزة، وستبدأ بغتة كما تحدّث الرئيس أردوغان»، مضيفاً: «لم يتحدّث إلينا أحد في قمة الناتو في مدريد عن تجنّب عمليتنا العسكرية أو تأجيلها خلال اجتماعاتنا الثنائية». وتزامنت التصريحات التركية مع تصاعد ملحوظ في القصف المدفعي والصاروخي التركي على قرى وبلدات في ريف حلب الشمالي، ووصول أرتال عسكرية تركية وأخرى لفصائل «الجيش الوطني» إلى المنطقة. وأمام تصاعد التهديدات التركية، عمدت «قسد» إلى إعادة اتصالاتها مع الأميركيين لمعرفة موقفهم من الهجوم التركي المرتقب على كلّ من منبج وتلّ رفعت، مع دعوتهم إلى زيارة المنطقة للوقوف على واقعها الحالي. وسرّبت وسائل إعلام مقرّبة من «قسد»، أن «الأميركيين أبلغوا الأخيرة خلال اجتماع مع قياداتها في مدينة منبج، أنهم لن يسمحوا بسقوط أيّ مدينة حرّروها من داعش من جديد»، مع التأكيد أن «قوات التحالف ستبحث احتمالية عودتها إلى قواعدها في المدينة مجدداً، لمنع تركيا من تنفيذ تهديداتها». والظاهر أن زيارة الأميركيين المفاجئة إلى منبج، تسعى لتعطيل التنسيق الحاصل بين الجيش السوري و«قسد» برعاية روسية، والذي أثمر عن نشر كتيبتي مدرّعات من الجيش السوري، على امتداد الشريط الحدودي من عين العرب وحتى عين عيسى. ويبدو أن «قسد» لا تعارض هذا «التعطيل»، في حال كان المقابل عودة أميركية إلى مدينة منبج وعموم مناطق تواجدها في ريف حلب. وظهر ذلك من خلال التراجع الملحوظ في التنسيق مع الجيش السوري، على رغم التأكيدات الإعلامية الكردية حول وجود تفاهمات عسكرية جديدة مع الجيش في ريف حلب. كما تجلّى النكوص المذكور في نفي مدير المركز الإعلامي لـ«قسد»، فرهاد الشامي، لوسائل إعلام كردية، «وجود غرفة عمليات مشتركة بين قسد والجيش السوري في منبج وعين العرب»، وتأكيده في الوقت نفسه أن «دمشق قد تحشد مزيداً من القوات في عين العرب ومنبج وبقية المناطق في الأيام المقبلة».
وفي سياق متّصل، ترى مصادر ميدانية مطلعة، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الزيارة الأميركية إلى منبج معنوية، وتهدف لإظهار وجود جهود أميركية غير حقيقية لمنع وقوع العملية التركية»، معتبرة أن «الزيارة هدفها عرقلة تنسيق قسد مع الجيش السوري والروس، أو تسليم المدينة وأريافها للجيش السوري». وأكّدت المصادر أن «الأميركيين طلبوا من قسد التمسّك بعدم تسليم الجيش السوري لمنبج وتل رفعت»، لافتةً إلى أن «ذلك سيُبقي على الذريعة التركية باستمرار تواجد قسد في المدينتين، ما يرفع من احتمالات وقوع العدوان التركي».