الحسكة | أدخلت تركيا ملفّ تحسين العلاقة مع الولايات المتحدة، مرحلة الاختبار، من خلال التلويح بشنّ عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، لمعرفة مدى القدرة الأميركية على استيعاب مخاوف أنقرة والقبول بالتعامل التركي معها. وبشكل علني، ومن أعلى سلطة في الدولة، أعلنت أنقرة عن عمليتها، على لسان الرئيس رجب طيب إردوغان، الذي أكّد أن بلاده «ستشرع قريباً باستكمال المنطقة الآمنة بمحاذاة الحدود الجنوبية»، مضيفاً: «قريباً سنبدأ اتخاذ خطوات تتعلّق بالجزء المتبقّي من الأعمال التي بدأناها لإنشاء مناطق آمنة على عمق 30 كلم، فور انتهاء استعدادات الأمن والجيش».لكن المشهد الميداني لا يوحي بقرب وقوع عملية عسكرية كبيرة من النوع الذي يجري الحديث عنه. إذ تغيب أيّ تحشيدات للجيش التركي أو الفصائل المسلّحة المتعاونة معه، وهذا ما يعدّ مؤشراً يُعتدّ به، وخصوصاً أنه قبيل عمليات مماثلة كـ«درع الفرات» و«غصن الزيتون» و«نبع السلام»، كانت قوات كبيرة من الجيش التركي مستعدّة على الحدود، ومتّخذة وضعيات قتالية. لكن على الرغم من ذلك، فإن تلك المعطيات لا تنفي الجدّية التركية في الإعداد للعملية، وإن لم تُطلَق في وقت قريب. والظاهر أن أنقرة تعمل على استغلال الظرف الدولي المؤاتي، واهتمام واشنطن والعواصم الغربية بموقف تركيا من انضمام الحلفاء الجدد الى «الناتو»، للحصول على ضوء أخضر أميركي - أوروبي للبدء بعملية عسكرية جديدة في سوريا، ومحاولة فرض «المنطقة الآمنة» التي عاد الإعلام التركي للترويج لها مجدداً. كما يبدو أن أنقرة تريد نسف أيّ مفاعيل متوقّعة لقرار وزارة الخزانة الأميركية الخاصّ باستثناء مناطق سيطرة «قسد» من العقوبات الأميركية، من خلال شنّ عملية تزعزع أمن المنطقة، وبالتالي تمنع أيّ شركات من الاستثمار هناك. وفي المقابل، ستحاول أنقرة مقايضة موسكو، للحصول على ثمن الموافقة مجدداً على عبور الطائرات الروسية المتّجهة إلى سوريا الأجواء التركية.
وتذهب بعض التقديرات الميدانية إلى أن إردوغان يسعى لمهاجمة مناطق تخضع لسيطرة الجيش السوري، في ريفَي حلب وإدلب، لتحقيق «المنطقة الآمنة» المرجوّة. وتستند هذه التقديرات إلى «نشاط أمني ملحوظ لخلايا الفصائل المسلّحة المدعومة تركياً، لجمع معلومات عن مواقع انتشار الجيش السوري والقوات الرديفة المدعومة من إيران في كلّ من حلب وإدلب». لكن في المقابل، تشير مصادر عسكرية إلى أن «هذا الخيار لا يبدو واقعياً من الناحية العسكرية». كما أن الرئيس التركي كان قد أعلن أن «المناطق التي تُعدّ مركزاً لانطلاق الهجمات على تركيا والمناطق الآمنة ستكون على رأس أولويات العمليات العسكرية»، في إشارة إلى مناطق سيطرة «قسد»، والتي يرجّح أن تستهدفها العملية المفترضة.
ستحاول تركيا قبض ثمن من روسيا مقابل الموافقة على عبور الطائرات الروسية الأجواء التركية


وعلى رغم الارتياح الذي كان يسود أوساط «قسد»، بالاستناد إلى تحرّكات أميركية مستجدّة أعادت قوات «التحالف الدولي» إلى قواعد انسحبت منها سابقاً، فضلاً عن قرار استثناء مناطق «الإدارة الذاتية» من عقوبات «قانون قيصر»، إلا أن «قسد» فوجئت بالتصريح التركي، ولم يكن في حساباتها أيّ سيناريو مشابه لما طرحه إردوغان أخيراً. ولذا، فهي سارعت إلى إصدار بيانٍ بعد أقلّ من ساعة على التصريح التركي، أعلنت فيه أن «لا تغيير استراتيجياُ في مناطق شمال وشرق سوريا»، توازياً مع تسريبها معلومات عبر مواقع مقرّبة منها عن أن «التحالف الدولي طمأن قيادة قسد إلى عدم وجود نيّة لدى تركيا لشنّ هجوم جديد على المنطقة». وهنا، توضح مصادر عسكرية سورية، لـ«الأخبار»، أن «الترجيحات تصبّ في أن العملية العسكرية ستكون في مناطق النفوذ الروسي، وذلك حتى تتجنّب تركيا إحراج حليفتها واشنطن في المناطق التي توجد فيها في محافظتَي الحسكة ودير الزور». وتتوقّع المصادر أن «تستهدف العملية العسكرية جزءاً من مناطق منبج وتل رفعت وعين عيسى وتل تمر (...) وقد تتّسع وتشمل كل المناطق المذكورة، وهو أمر متوقف على الضوء الأخضر الذي ستحصل عليه أنقرة لشنّ العملية»، لافتة إلى أن «الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا تلقّت الأوامر بالاستنفار، لحشد قواتها لبدء العملية العسكرية».
من جهة أخرى، كشفت مصادر أمنية، في حديث إلى «الأخبار»، أنه جرى «خلال الفترة الأخيرة تنسيق غير مباشر بين عناصر أمنيّين تابعين لتنظيم داعش، وآخرين من فصائل الجيش الوطني، لتكثيف عمليات الاغتيال في مناطق سيطرة قسد، في محاولة للضغط على التنظيم الكردي في أكثر من اتجاه». وفي حال أثبتت الوقائع على الأرض جدّية تركية في تنفيذ عدوان جديد على الأراضي السورية خلال الأيام المقبلة، فمن المرجّح أن تعمد «قسد» إلى التلويح بملف سجناء تنظيم «داعش» ومخيم الهول، للضغط على واشنطن وعموم «المجتمع الدولي»، لمنع أنقرة من تنفيذ تهديداتها. كذلك، ستسارع «قسد»، حتماً، إلى طرق أبواب موسكو ودمشق، كما العادة، لمساعدتها في صدّ هذا الهجوم، على الرغم من أن الطرفين يتّهمانها بعدم تطبيق مضمون الاتفاق الذي انتشر بموجبه الجيش السوري على الحدود بعد عملية «نبع السلام»، حيث رفضت تسليم المنطقة إدارياً للجيش، واحتفظت بنقاط عسكرية لـ«الأسايش» على امتداد مدن الشريط الحدودي وبلداته.