الحسكة | استعاد سكان مدينة الحسكة، ليلة من ليالي الحرب والاشتباكات التي عاشوها قبل سنوات عدة. مساء أمس، جرى استهداف سجن الثانوية الصناعية جنوب المدينة، والذي يضمّ نحو 5 آلاف سجين، عبر تفجيرَين، وسرعان ما تحوّلت «الغزوة» إلى اشتباكات استُخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة، وصولاً إلى استهداف طائرات «التحالف الدولي» عدة مواقع في المنطقة، يُعتقد أن فيها عناصر من التنظيم. وبدأ «داعش» مخطّطه عبر تنفيذ عصيان داخل السجن، تلاه هجوم بسيارة مفخخة ودراجة نارية، طاول البوابة الرئيسة للمعتقَل، ما أدّى إلى فتح ثغرة في سوره، ليندفع عناصر من التنظيم إلى داخله، ويتمكنوا من السيطرة على مبنى الإدارة قيد التجهيز في الجهة الشمالية، وهو ما خلق حالة من الفوضى العامة، فرّ تحت جناحها عدد من السجناء. وعقب ذلك، انتقلت الاشتباكات إلى محيط السجن، بين مسلحي «قسد» وعناصر من «داعش»، بعدما تمكّن عدد من السجناء الفارين من عبور البوابة الرئيسة والوصول إلى مناطق في حي الزهور المتاخم للمعتقَل، ما دفع «التحالف» إلى استقدام طائرات حربية ومروحية ومسيّرة، لملاحقة واستهداف العناصر الفارين. مع هذا، نجح التنظيم، فجراً، في توسيع رقعة الاشتباكات، من خلال دخول عناصره الفارّين من السجن إلى مباني كلية الاقتصاد والحبوب ومخبز الباسل، لتمتدّ المواجهات إلى كامل هذه المناطق، وصولاً إلى مقبرة حيّ غويران.وتسبّبت تلك التطورات المتسارعة بموجة نزوح واسعة لغالبية سكان أحياء غويران والزهور والأغاوات جنوب المدينة، بعد أنباء عن قيام عناصر «داعش» بتنفيذ عمليات قتل وذبح بحق عدد من المدنيين، راح ضحيّتها 5 على الأقل. وعلى إثر ذلك، سارعت القوات الأميركية إلى إصدار تصريح أكدت فيه أنه تتمّ «مراقبة التطورات في سجن غويران جنوب مدينة الحسكة، والذي يضمّ نحو خمسة آلاف معتقل من تنظيم داعش، ‏وذلك بعد أخبار عن فرار العشرات من السجناء، إثر هجوم بالعربات المفخخة واشتباكات مسلحة». من جهتها، سجّلت وسائل الإعلام التابعة لـ»قسد» تضارباً كبيراً في المعلومات، وهو ما يظهر حالة الإرباك في التعاطي مع الحدث، ما بين إصرار «قسد» على نفي فرار أيّ عنصر من «داعش» من داخل السجن، وتأكيد مواقع إعلامية مقربة منها، نقلاً عما وصفته بـ»المصدر الأمني»، فرار ما لا يقلّ عن 20 من معتقلي التنظيم. لكن مقاطع الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، أكدت حصول عمليات هروب جماعية، مع ظهور عناصر مجهزين بحقائب وأسلحة، ما يثبت وجود تخطيط مسبق لعمليات الهجوم والفرار.
وتكشف هذه الهجمات عن هشاشة قدرات «قسد» الأمنية والعسكرية، وعجزها عن ضبط الأمن في السجون والمخيمات. كما تطرح تساؤلات كثيرة حول كيفية تمكّن عناصر «داعش» من الوصول بمفخّخاتهم إلى منطقة تضرب فيها «قسد» طوقاً أمنياً مشدّداً، فضلاً عن تمكّن الفارّين لتوّهم، من الحصول على أسلحة واستخدامها في الاشتباكات. وهنا، توضح مصادر أمنية في الحسكة، لـ»الأخبار»، أن «ما لا يقلّ عن 50 من المعتقلين في سجن الصناعة، تمكّنوا من الفرار بعد الرعب الذي أحدثه تفجير آليتين مفخختين على بوابة السجن»، مبيّنة أن «اتساع رقعة الاشتباكات سببها اجتماع عناصر التنظيم من خارج السجن، ومن داخله، ما شتّت قدرات التحالف وقسد». وترى المصادر أنه «من الممكن أن عدداً من قادة التنظيم تمكنوا من الفرار من كامل المنطقة، وباتوا بعيدين من مسرح الاشتباكات»، لكن ذلك «لا يعني أن للتنظيم قدرة على شن عمليات واسعة، لعدم امتلاكه أسلحة متوسطة وثقيلة، وعدم توافر قدرات بشرية كافية».
تكشف هذه الهجمات عن هشاشة قدرات «قسد» الأمنية والعسكرية وعجزها عن ضبط الأمن في السجون والمخيمات


بدورها، تصف مصادر ميدانية ما حصل بأنه «قنبلة موقوتة في السجون، وقد انفجرت كما هو متوقع». وتَعتبر أن للأحداث الأخيرة «ارتدادات كثيرة، بخاصة أنها عرّت رواية الولايات المتحدة حول قدرتها على ضبط معتقلات داعش»، مضيفة أن «ما حصل وإن كان يشكّل ضربة أمنية لقسد والتحالف، لكنه في الوقت عينه سيمثل مادة للاستثمار من قِبَلهما، لجهة إثبات قدرة التنظيم على شنّ عمليات واسعة، وضرورة تلقّي قسد مزيداً من الدعم لضبط أمن السجون، وأهمية أن تحافظ واشنطن على وجودها، لمنع التنظيم من إعادة بناء قدرات هجومية مجدداً». وتلفت المصادر إلى أن «التطورات التي وقعت تراكمية، بدأت بحوادث أمنية في الهول، لتصل إلى ثاني أخطر سجون داعش في المنطقة»، كاشفة أن السبب الرئيس خلفها هو «فشل مفاوضات كان يجريها التحالف مع قادة من داعش، للحصول على ضمانات بعدم إحداث أيّ إرباك أمني في السجون أو المخيمات». وتتابع أن «عدم تلبية التحالف مطالب قيادات داعش بوقف نقل اللاجئين العراقيين وتسليمهم لحكومتهم، وعدم نقل أي من السجناء إلى أي جهة أخرى، إلا بالتنسيق معهم، مع استعجال تقديمهم للمحاكمات، هو ما يقف بشكل أساسي وراء التطورات الأخيرة».