تمضي إدارة بايدن في السياسة نفسها التي بلورها ووضعَها موضع التطبيق فريقُ ترامب
رأى الراحل جوزف سماحة، في مقال كتبه بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر في نيويورك وواشنطن، بعنوان «قاعدة الطموحات المحطّمة»، أن «هناك من تراءى له، ذات مرّة، أن في الإمكان جمع الثروة السعودية، والتخطيط المصري، والاندفاعة السورية، والنضالية الفلسطينية، والخيال اللبناني، والبراءة الخليجية، وشوق الانتماء المغاربي، والعناد العراقي، وسوى ذلك، في مشروع واحد أو، على الأقلّ متّجه نحو الوحدة... وهناك مَن تراءى له ذات مرّة أن قضايا المنطقة مترابطة بدءاً من فلسطين، مروراً بالآثار الكارثية للتجزئة، وصولاً إلى ضرورات التحرُّر والديمقراطية والتنمية. وأن الأمّة العربية، إذا توافقت على مشروع سياسي، يمكنها أن تكون القلب النابض لعالم إسلامي واسع يشكّل رصيداً استراتيجياً لها، وتُشكّل له سنداً ثميناً، بحيث يمكنهما معاً أن يلعبا دوراً مميّزاً في دول العالم الثالث أو دول الجنوب. غير أن هذا الطموح انكسر بفعل العدوان أولاً والقصور ثانياً». كَتب هذا الكلام في تشرين الأول/ أكتوبر 2001، أي قبل الغزو الأميركي للعراق وتدمير دولته في 2003، وقبل حرب الناتو على ليبيا في 2011 وتدمير دولتها، وانطلاق العدوان على سوريا في السنة نفسها. من الواضح، بعد مرور عشرين سنة عليه، أن الغرب وحلفاءه المحلّيين انتقلوا من تحطيم الطموحات الكبرى إلى محاولات تحطيم مَن بقي ينطق باسمها، أي الأنظمة والتيارات ذات الخلفية القومية. شرَح المفكّر العربي، علي القادري، هذا المسار بدقة في كتابه المرجعي «تفكيك الاشتراكية العربية». نجحوا في ذلك في العراق وليبيا، غير أنهم فشلوا حتى الآن في سوريا. شُنّت على هذا البلد حربٌ من نمط جديد، الحرب الهجينة، تتضمّن دمجاً بين عمليات عسكرية تقليدية وأخرى خاصة، أو عبر الاعتماد على مجموعات رديفة، والضغوط السياسية والاقتصادية والحملات الإعلامية والسيبرانية، خُصّصت لها موارد مادية وبشرية ضخمة أَمّنها «أصدقاء الشعب السوري». مرّت هذه الحرب بأطوار مختلفة؛ فسادَ في بداياتها الاعتماد على المجموعات المحلّية الرديفة بشكل رئيس، تلاه في مرحلة ثانية التدخُّل العسكري المباشر الأميركي والتركي بحجج متنوعة لمساندة الوكلاء، غير أن صمود الدولة السورية والقرار الحاسم لأطراف محور المقاومة بالقتال إلى جانبها، إضافة إلى التدخُّل الروسي، جميعها عوامل سمحت بالتصدّي للعدوان واستعادة الدولة لسيطرتها على قسم كبير من أراضيها. لكن الحرب ما زالت مستمرة، وتتّخذ شكل الحصار والعقوبات الاقتصادية وتجويع السوريين عبر حرمانهم من مواردهم الطبيعية، التي يقع قسم عظيم منها في الشمال الشرقي المحتلّ من قِبَل ميليشيات «قسد» الرديفة للأميركيين، وقسم آخر في الشمال الغربي الخاضع لاحتلال تركي.
حتى اللحظة، تمضي إدارة جو بايدن في السياسة نفسها التي بلورها ووضعَها موضع التطبيق أصلاً فريقُ دونالد ترامب المعنيّ بالملفّ السوري، بإشراف أمثال جويل رايبرن وأندرو تابلر، اللذين لم يُخفيا أن غايتهما «صوملة سوريا». كسْر الحلقة المركزية في محور المقاومة هو هدف هؤلاء، لكن هدفاً آخر، يحاكي الحقد الدفين على فكرة العروبة، ومهْدِها المتمثّل في سوريا، لدى قطاعات واسعة من النخب الغربية، هو الذي يفسّر الاستمرار في تلك السياسة من قِبَل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، على رغم تداعياتها الكارثية المعروفة على حياة ملايين السوريين. انهيار الدولة السورية يساوي في نظر هؤلاء اندثاراً للعروبة، ولا شكّ في أن مستقبل المنطقة ستُحدّده إلى درجة كبيرة مآلات هذه المرحلة الجديدة من الحرب.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا