يبدو أن سوريا تقف على أعتاب الذروة الثانية من انتشار فيروس كورونا. مع هذا، لا يبدو أن الحكومة في وارد اتّخاذ أيّ إجراءات فعّالة لتدارك الوضع. إذ لا تزال صورة الازدحام كما هي في المطاعم والمقاهي، وكذلك الاحتفالات والأمسيات والسهرات والأعراس، بل إن الحكومة نفسها لا تفوّت أسبوعاً إلا تعلن فيه عن أمسية أو سهرة أو معرض، وتُفاخر، كما فعلت خلال الأسبوع الماضي، بنفاد بطاقات إحدى الأمسيات في دار الأوبرا، لتُعلِن بعدها إعادة الأمسية في اليوم التالي، حيث ظهرت مشاهد تجمّع المواطنين أمام شبابيك التذاكر. في هذا الوقت، يستمرّ الانقسام بين المطالبين بالإغلاق التامّ، والذين يُحمِّلون الحكومة المسؤولية عن تفشّي المرض، وبين السلطات الرسمية ومعها أصحاب الأعمال الخاصة الذين لا يريدون الإغلاق نظراً إلى انعكاساته الاقتصادية السلبية المباشرة.وينسحب هذا الجدال على مسألة المدارس، التي يعتقد الأطبّاء والمختصّون أنها أكثر البيئات المهيّأة لاحتضان الفيروس، وخصوصاً الابتدائية منها. وفي الإطار المتقدّم، يلفت الدكتور نبوغ العوا، عضو الفريق الاستشاري لمواجهة كورونا في سوريا، في حديث إلى "الأخبار"، إلى أن "الطفل يُصاب ويَنقل المرض لأهله فوراً، وذلك لأن الطفل لا تَظهر عليه أعراض شديدة، بينما هو ناقل سريع من الدرجة الأولى". وجدّد العوا المطالبة بـ"إغلاق المدارس ولو بصورة جزئية (...) فتأخير الطلّاب الصغار لفترة محدّدة لن يؤثّر على تحصيلهم العلمي، ويمكن أن يتمّ تعويضهم في أيّ وقت لاحق، ولكن الحكومة لم تتّخذ أيّ إجراء في هذا الشأن بعد".
تعتقد الحكومة أن الإغلاق الآن لن يجدي نفعاً، وأن المرض سيتابع انتشاره بوتيرة اعتيادية


إزاء ذلك، يؤكد وزير التربية، دارم طباع، في حديث إلى "الأخبار"، أن وزارته تتابع بحرص شديد تطوّر المرض في العالم وفي سوريا، "ولا سيّما الحالات التي يتمّ اكتشافها في المدارس والإجراءات المُتّخذة حيالها، وخصوصاً ما يتعلّق بإغلاق الصفّ لمدة خمسة أيام وفحص المخالطين، كما زادت من حملات التوعية الصحّية واستخدام الكمامات وغسل اليدين وغيرها". ويعتقد طباع أن "الإغلاق الآن لن يجدي نفعاً، وأن المرض سيتابع انتشاره بوتيرة اعتيادية، لكن علينا أن نتخذ إجراءات الحماية الشخصية"، مستنداً في ذلك إلى أن "السويد لم تنقطع فيها الدراسة في المدارس يوماً واحداً، وطقسها أبرد من باقي أوروبا، ونسبة الإصابات والوفيات فيها أقلّ بكثير من دول مثل ألمانيا التي توقّفت فيها جميع سبل الحياة والتعلم، فالمدارس إذاً ليست مصدراً لتفشّي الوباء". وهو ما لا يوافق عليه معظم الأطباء في سوريا، الذين باتوا يلجأون إلى مواقع التواصل الاجتماعي لإطلاق تحذيراتهم من الانفجار المتوقّع في أيّ لحظة، مع الأخذ بالحسبان أن مدناً مثل حمص والسويداء وغيرهما لم تشهد ذروات سابقة، وباتت اليوم تتصدّر لائحة الإصابات والوفيات، وأن ثمة فروقاً تجهيزية وميدانية كبيرة بينها وبين العاصمة دمشق، المجهّزة إلى حدّ مقبول بالمشافي والأسرّة وأجهزة التنفس والمعدّات، وإمكانية التوسّع في إجراء الفحوصات.
وفي ظلّ ضعف الإمكانات الصحّية في سوريا عموماً، يُحذّر الخبراء من أن البلاد "تتّجه إلى تصاعد في عدد الإصابات، ومردّ ذلك أولاً إلى عامل الطقس البارد وانتشار الإنفلونزا العادية وإضعافها للمناعة، وتالياً الخلط بينها وبين الفايروس (...)"، وفق ما ينبّه إليه العوا، مضيفاً: "نحن في طريقنا إلى الذروة إذا بقينا مصرّين على عدم الالتزام بالقواعد الاحترازية، ومع الأسف معظم الناس غير ملتزمين بوضع الكِمامة والتباعد الاجتماعي، وهذا إنذار سيّئ للجميع".

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا