دمشق | تتدافع الجموع أمام محل «أبو عبدو» الشهير، وسط العاصمة السورية دمشق، للحصول على العصائر وسلطات الفواكه، رغم كلّ ما يُحكى عن تزايد حالات «كورونا» في دمشق وريفها. لا مجال للتفكير في الوضع المعيشي هُنا وضروراته، إذ إنّ مطلب هؤلاء جميعاً يعتبر من «الكماليات»، وسط الظروف الصعبة التي تعانيها البلاد. عدّاد «كورونا» يزداد بإحصائيات معلنة، وغيرها متداول على مواقع التواصل الاجتماعي. غير أنّ المشاهد الحياتية المألوفة لم تغب عن دمشق، كما لو أن لا «كورونا» في البلاد.مع غياب الإحصائيات الدقيقة، بحسب إعلان وزارة الصحة السورية، فإنّ أعداد المصابين تُحسَب بناءً على من أجريت لهم فحوصات «كورونا»، وليس عبر إجراء مسحات عامة، في ظل الإمكانات الحالية الضعيفة للوزارة. أحد الأطباء السوريين لفت إلى أنّ تسجيل 44 إصابة بين 170 سورياً دخلوا إلى الأردن الشهر الماضي، هو «أمر يجب التوقف عنده والبناء عليه». النسبة غير دقيقة أو مؤكدة، كما جميع الإحصائيات، ولكن أي تزايد في نسب الإصابة يُعتبر مخيفاً ضمن نظام صحي معرّض للانهيار، بوصفه أصلاً ضعيفاً بعد تضرّره في حرب السنوات الماضية. والأكثر خطراً بالنسبة إلى الأطباء السوريين، استهلاك غرف العناية المشدّدة المتهالكة أساساً، ما يعني انعدام القدرة على تقديم العناية لمرضى يعانون من بقية الأمراض. ويقترح الطبيب الذي تحدث لـ«الأخبار»، ورفض الكشف عن اسمه، فكرة «فرض الكمامات تحت طائلة السجن أو الغرامة المالية وتخصيص مشافٍ محددة لمصابي كورونا». لكنّ التحدّث عن «الفرض»، يبدو بعيداً عن الواقع، حين نقف أمام الطوابير المتزاحمة للحصول على حاجاتها اليومية والأساسية. بل يُعدّ بالنسبة إلى المضطرين لتأمين الخبز اليومي، «بطَراً» من الاختصاصيين والطبقات الاجتماعية القادرة على تلبية متطلّبات الوقاية. تضحك إحدى العاملات المنزليات السوريات، عندما تطلب منها ربة المنزل التي تعمل لديها، أن تضع الكمامة عند صعودها في الحافلة الصغيرة التي تستقلّها للوصول إلى منزلها البعيد في إحدى بلدات ريف دمشق. «اللي معن مصاري ضايعين. يخشون على أنفسهم ويحتاجوننا في الوقت ذاته»، تقول.
أيّ تزايد في نسب الإصابة يُعتبر مخيفاً ضمن نظام صحي معرّض للانهيار


عقب بدء تنفيذ قانون «قيصر»، حدّدت المندوبة الأميركية لدى مجلس الأمن، نيكي هيلي، خلال اجتماع مجلس الأمن، أنّ القانون المذكور يهدف فقط إلى «منع النظام السوري من تحقيق انتصار عسكري وتوجيهه نحو العملية السياسية»، مؤكّدة «عدم تأثيره على المساعدات الإنسانية المقدمة إلى الشعب السوري، باحتوائه على ضمانات لذلك». إلّا أنّ السفير الصيني لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون، وفي الاجتماع ذاته، أثار قضية كفاح بلدان ضعيفة كسوريا في وجه جائحة كورونا، و«لا إنسانيةِ فرض مزيد من العقوبات عليها بما قد تسببه من كوارث إضافية». وبالحديث عن تأثير الحصار المذكور على الوضع العام في سوريا، بما فيه الوضع الصحي، فإن أول تأثيرات القانون يقع على المؤسسات الحيوية السورية، ما يحول دون وصول المواطن إلى ما يحتاج إليه من غذاء ودواء.
يلفت طبيب مقيم في أحد مشافي العاصمة، خلال حديثه لـ«الأخبار»، إلى أنّ «معاناة نقص الأدوية لم تتغيّر، قبل قيصر وبعده، وهي معاناة مشتركة بين الطبيب والمشفى والمريض، بسبب ما سبق من عقوبات». وتتواصل المعاناة، بحسب الطبيب، «مع مشاكل صيانة أجهزة التصوير الشعاعي التي تكلّف أحياناً مئات ملايين الليرات». ويحدد الطبيب المختص بأمراض الدم، والمشرف على حالات عدة لمصابي «كورونا»، مشفى الزبداني، كأوّل مراكز عزل المصابين، والتي أضيف إليها مشفى قطنة أيضاً. ويقول: «اكتظّ المشفيان بالمرضى، ما تطلّب إحداث أقسام عزل في مشافٍ أخرى كابن النفيس والمجتهد والمواساة والأسد الجامعي، بينما خُصّص مشفى ابن رشد للحالات المصابة من غير أعراض». وينوّه الطبيب بأنّ المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد «تقوم على قيادة وزارة الصحة لجميع مرافق القطاع الصحّي، بما فيها مشافي وزارتَي التعليم العالي والدفاع». ويتابع الطبيب الذي يعاين الظروف الصحية للمستشفيات عن قرب، قوله: «هنالك نقص في كل شيء، بدءاً من كيتات المسح والتحاليل، مروراً بالأدوية، وصولاً إلى زي الوقاية، ما يؤدي إلى الضغط الكبير الحاصل على المستشفيات».