«الإدمان على المخدّرات ليس أمراً جيداً أبداً، والعلاج منه يتطلب إرادة حقيقية»، تقول ريم (اسم مستعار - 31 عاماً)، لـ«الأخبار»، وهي خرّيجة إدارة أعمال، وموظفة في مصرف في العاصمة دمشق. تكمل ريم حديثها عن تجربة رافقتها خمس سنوات كاملة، فتقول: «حين بدأت الحرب كان عمري 22 عاماً، كنت طالبة في جامعة دمشق، وكانت ضغوط الحرب تتوالى علينا والمخاطر من كل اتجاه. وفي فترات الامتحانات، كانت أصوات القصف تحرمني من النوم، حتى عرضت علي زميلتي حبّة من نوع (زولام)، وقالت لي إنها ستجعلني أنام فوراً». ومنذ تلك الليلة، بدأت رحلة ريم مع المخدّرات، فالقصة التي بدأت بحبّة واحدة صارت بمظروف كامل، ثم لاحقاً حشيشة الكيف: «بعد أعوام، صارت حياتي مدمّرة، ولكن كان من المستحيل التوجه إلى مشفى تأهيل، فإن علم أهلي بالتفاصيل سأكون في مشكلة كبيرة، لذا اتجهت إلى طبيب نفسي ومعالج سلوكي، وبشقّ الأنفس والكثير من الإرادة تمكنت من التوقف عن تعاطي المخدرات». كقصة ريم مئات، وربما آلاف، القصص. في هذا الإطار، يكشف مصدر أمني مطّلع لـ«الأخبار» أن «عدد الضبوط التي تستقبلها أفرع مكافحة المخدرات والنيابات يراوح بين 20 و40 ضبطاً يومياً، في معدل وسط، في ظل ارتفاع مطّرد في سنوات الحرب الأخيرة، ولا سيما في الأوساط الشبابية والطلابية، التي تشهد اتجاراً وتعاطياً وإدماناً». ويوضح المصدر أن الأجهزة الأمنية تعتمد أسلوب «الإيقاع بشخص ليقوم هو بالاعتراف على بقية الشبكة، إذ لا يكاد يمر يوم من دون الإعلان عن توقيف أفراد في ملف المخدرات».لم يقتصر الاتجار بالمخدرات على الداخل السوري، فقد ازدهرت «صناعة» المخدرات، ولا سيما حبوب «الكبتاغون»، الأكثر انتشاراً وربحية، على الصعيد الإقليمي والدولي. ومن أبرز الجهات التي اتهمت بالعمل في هذا القطاع هو تنظيم «داعش»، إذ ضُبطت شحنات ضخمة قادمة من سوريا، في كل من مصر والسعودية واليونان، وآخرها الشحنة ــــ الأكبر دولياً ــــ في إيطاليا، حيث اتهمت سلطات الأخيرة «داعش» بتمرير الشحنة إلى «مافيا» محلية هناك. الكمية كانت 14 طناً، وهي أكبر عملية تهريب على مستوى العالم. الشرطة الإيطالية قالت إن «داعش» يستخدم هذه الطريقة «لتمويل عملياته». وعلى الصعيد المحلي، وبحسب مصادر أمنية متابعة للملف، فإن مناطق غربي دمشق، وتحديداً المنطقة الحدودية مع لبنان، تعتبر أكبر مناطق لإنتاج المخدرات، وتحديداً حبوب «الكبتاغون»، إذ «تُنتج الآلة الواحدة نحو ألف ومئتي حبة كل خمس دقائق، ليبلغ سعر كل مليون حبّة، نحو مليون ونصف مليون ليرة سورية (650$)، أما سعر كيلوغرام الحشيشة الواحد، فيراوح بين 200 و300 ألف ليرة سورية (75 إلى 100$)». وتشير المصادر الأمنية إلى أن معظم «الناتج المحلي» من المخدرات يُباع داخلياً، وتعدّ «منطقة جرمانا في ريف دمشق أكبر بؤرة لانتشار المخدرات في سوريا، حيث هناك يتم تخزين مختلف أنواع الحشيشة، أو يجري نقلها من هناك إلى مناطق سورية أخرى».
تشهد مناطق سيطرة «قسد» ازدهاراً على مستوى التسليم والتصدير


في المقابل، فإن مناطق سيطرة «قسد» في شمال شرق سوريا، تشهد ازدهاراً أيضاً على مستوى تسليم وتصدير المخدرات إلى خارج سوريا. وكانت هذه «المهنة» قد نشطت هناك على اعتبار أنها امتداد طبيعي لمناطق سيطرة «داعش» سابقاً في شرق حلب، حيث شهدت المنطقة زراعة الحشيشة وإنتاجها بكميات كبيرة لمصلحة التنظيم. ثم ورثت الفصائل التي سيطرت على المنطقة من بعد «داعش»، «الصنعة». وهذه «الصنعة» تساهم بشكل كبير في تمويل تلك الفصائل، وليست مناطق سيطرة الحكومة في دمشق خارجة عن هذا «التقليد». إذ لجأ العديد من الأشخاص إلى العمل في تصنيع وتجارة المخدرات، واستخدموا طرقاً متعدّدة في التهريب، كالشحنة المضبوطة في مصر مثلاً، والتي كانت في طريقها إلى ليبيا، والبالغة 4 أطنان من الحشيشة، مخزّنة داخل علب حليب «ميلك مان»، مختومة بختم المصنع الرسمي الذي يملكه رجل الأعمال السوري رامي مخلوف (ردّ مخلوف ببيان استهجان عمّن قد يفعل ذلك، واصفاً العمل بـ«الجبان والحقير»).
يفرض القانون السوري أحكاماً صارمة في مواجهة المخدرات، إذ ورد في قانون العقوبات أن «من يتعاطى الحشيشة دون الاتجار بها يعاقب بالحبس المؤقت بين سنة إلى ثلاث سنوات، وغرامة مالية، مع إمكانية تحويله إلى مصحّ لعلاج الإدمان، وتخفيف العقوبة». أمّا عقوبة الاتجار فهي «السجن المؤبّد وغرامة تصل إلى خمسة ملايين ليرة سورية، أما عقوبة الزراعة والتصنيع والتهريب فهي الإعدام». لكن كل الحديث عن المواد القانونية لا يجدي نفعاً، إذ إن معظم عمليات التصنيع والاتجار لا يتم ضبطها داخل سوريا، بل خارجها. ما يطرح تساؤلات كثيرة حول «الغطاء» الذي يتمتع به المصنّعون والمتاجرون في مناطق سيطرة الحكومة السورية، مع العلم بأن معظم العمليات المشابهة تقع في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، في الشمال الغربي والشرقي.